ماذا يحب الله ورسوله-ما يكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور (تأمير الضعيف)

ماذا يحب الله ورسوله-ما يكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور (تأمير الضعيف)
157 0

الوصف

                                                    ما يكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور
                                                                 تأمير الضعيف

لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم تأمير الضعيف

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم».

نص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على أمرين عظيمين لا يقدر على القيام بهما إلا الأقوياء؛ لأنهما مسؤولية عظيمة وخطيرة خاصة الإمارة التي لا يمكن للضعيف أن يقوم بحقها ويؤدي ما عليه فيها.

ولما كان أبو ذر ضعيفًا وطلب مِنَ النَّبِي أن يستعمله، حذره النبي صلى الله عليه وسلم منها وبين له عاقبة ذلك؛ يقول أبو ذر رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال:

«يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها».

 ولذلك حذر العلماء من الإمارة والولاية وامتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذي حين امتنعوا.

الإمارة:

لقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأصل العظيم في عدم تأمير الضعفاء، واجتناب الإمارات صغيرها وكبيرها، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الإمارة، والله عز وجل يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلًا لها أو كان أهلًا ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط، وأما من كان أهلًا للإمارة وعدل فيها فله فضل عظيم، كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم

«سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إلامام العادل..»

الحديث، والمراد به صاحب الولاية العظمى، ويلتحق به كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين فعدل فيه. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم:

«إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولو»

فهذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلده من خلافة أو إمارة أو قضاء أو حسبة أو نظر على يتيم أو صدقة أو وقف، وفيما يلزمه من حقوق أهله وعياله ونحو ذلك. وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط.

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سؤال الإمارة؛ لأن من يسأل الإمارة يسلم إليها ولا يعان، أما من أعطيها عن غير مسألة يعان عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها»

أي أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصه، ويستفاد من الحديث أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه فيدخل في الإمارة والقضاء والحسبة ونحو ذلك. وإن من لم يكن له من الله عون على عمله لا يكون فيه كفاية لذلك العمل فلا ينبغي أن يجاب سؤاله، ومن المعلوم أن كل ولاية لا تخلو من المشقة، فمن لم يكن له من الله إعانة تورط فيما دخل فيه وخسر دنياه وعقباه، فمن كان ذا عقل لم يتعرض للطلب أصلًا، بل إذا كان كافيًا وأعطيها من غير مسألة فقد وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعانة، ولا يخفى ما في ذلك من الفضل.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُؤَمِّرُ الضعفاء، ولا يُوَلِّي منْ يسأل الإمارة؛ ولهذا لما دخل أبو موسى رضي الله عنه هو ورجلان من قومه، فقال أحد الرجلين: أمرنا يارسول الله، وقال الآخر مثله، قال صلى الله عليه وسلم:

«إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه».

 قال العلماء: والحكمة في أنه لا يولي من سأل الولاية أنه يوكل إليها ولا تكون معه إعانة كما صرح في حديث عبد الرحمن بن سمرة السابق، وإذا لم تكن معه إعانة لم يكن كفئًا ولا يولى غير الكفء؛ ولأن فيه تهمة للطالب والحريص والله أعلم.

فالذي يناله المتولي من النعماء والسراء دون ما يناله من البأساء والضراء، وإما بالعزل في الدنيا فيصير خاملًا، وإما بالمؤاخذة في الآخرة وذلك أشد؛ قا القاضي البيضاوي: فلا ينبغي لعاقل أن يفرح بلذة يعقبها حسرات، وقال المهلب: الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها حتى سفكت الدماء واستبيحت الأموال والفروج وعظم الفساد في الأرض بذلك، ووجه الندم أنه قد يقتل أو يعزل أو يموت فيندم على الدخول فيها؛ لأنه يطالب بالتبعات التي ارتكبها وقد فاته ما حرص عليه بمفارقته، ويستثنى من ذلك من تعين عليه كأن يموت الوالي ولا يوجد بعده من يقوم بالأمر غيره، وإذا لم يدخل في ذلك يحصل الفساد بضياع الأحوال قال ابن حجر: بل في التعبير بالحرص إشارة إلى أن من قام بالأمر عند خشية الضياع يكون كمن أعطى بغير سؤال لفقد الحرص غالبًا عمن هذا شأنه، وقد يغتفر الحرص في حق مَنْ تَعَيَّنَ عليه لكونه يصير واجبًا عليه.