ماذا يحب الله ورسوله-ما يكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور (أبغض الخلق على النبي صلى الله عليه وسلم الكذب)

ماذا يحب الله ورسوله-ما يكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور (أبغض الخلق على النبي صلى الله عليه وسلم الكذب)

الوصف

                                                   ما يكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور
                                                      أبغض الخلق على النبي صلى الله عليه وسلم الكذب

أبغض الْخُلُق على النبي صلى الله عليه وسلم الكذب

عن عائشة رضي الله عنها قالت:

«كان أبغض الْخُلُق إليه الكذب».

لقد كان الكذب أبغض أعمال الخلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة ضرره وما يترتب عليه من المفاسد والفتن، وكان صلى الله عليه وسلم لا يقول في الرضى والغضب والمزاح إلا الحق؛ ولهذا كان يزجر أصحابه وأهل بيته عن الكذب ويهجر على الكلمة الواحدة من الكذب المدة الطويلة حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة؛ وذلك لأنه قد يبنى عليه أمور ربما ضرت بعض الناس، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) ولهذا يبين النبي صلى الله عليه وسلم عاقبة الكذب فيقول صلى الله عليه وسلم:

«إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا».

ويحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب ومن نقل كل ما يسمعه الإنسان هنا وهناك دون التثبت من صحته فيقول صلى الله عليه وسلم:

«كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع»

ذلك لأن ما يسمعه الإنسان فيه الصدق وفيه الكذب، فإذا حدث بكل ما سمع حدث بالكذب لا محالة فيكون بذلك من الكاذبين.

فالكذب من قبائح الذنوب وفواحش العيوب وهو كما يكون في القول واليمين يكون في الوعد أيضًا حتى وإن كان في أقل الأشياء مثل تمرة، فعن عبد الله بن عامر قال: دعتني أمي يومًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«وما أردت أن تعطيه؟»

قالت: أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«أما إنك لو لم تعطيه شيئًا كتبت عليك كذبة»

وفي الحديث أن ما يَعِدُ به الآباء والأمهات وغيرهم من أشياء سيعطونها للأطفال على سبيل الدعابة والهزل معهم فقط من غير أن يكون هناك نية للإعطاء فعلًا فهذا داخل في الكذب، وهذا أمر يتساهل فيه كثير من الآباء والأمهات فَيَعِدُون أطفالهم بإعطائهم أشياء إما إسكاتًا لهم عن البكاء أو لتهدئتهم عن اللعب والحركة ونحو ذلك من الأمور، فينفذ الأطفال ما هو مطلوب منهم ولا يفي الآباء بما وعدهم به من الأشياء فيتربى الولد على الكذب ويكبر على ذلك حتى يستخدم الكذب هو أيضًا مع والديه وغيرهما من الناس؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

«آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان».

والكذب يستخدم أيضًا لإضحاك الناس بأحاديث ملفقة كاذبة. وقد حذر النبي من يفعل ذلك فقال صلى الله عليه وسلم:

«ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له».

ويجوز الكذب في بعض الأحوال كالإصلاح بين الناس، ولا يكون المتحدث فيها كاذبًا كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:

«ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا»

أو بين الزوجين، أو في الحرب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

«لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس»

قال النووي: قال القاضي: لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور. واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها: ما هو؟ فقالت طائفة: هو على إطلاقه، وأجازوا قول مالم يكن في هذه المواضع للمصلحة، وقالوا: الكذب المذموم ما فيه مضرة، واحتجوا بقول إبراهيم عليه السلام: بل فعله كبيرهم، وإني سقيم، وقوله: إنها أختي، وقول منادي يوسف عليه السلام: أيتها العير إنكم لسارقون.

قالوا: ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو. وقال آخرون منهم الطبري: لا يجوز الكذب في شيء أصلًا، قالوا: وما جاء من الإباحة في هذا المراد به التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب، مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا، وينوي إن قدر الله ذلك. وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه، وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلامًا جميلًا، ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورى.

وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه: مات إمامكم الأعظم وينوي إمامهم في الأزمان الماضية، أو غدًا يأتينا مدد أي طعام أو نحو هذا من المعاريض المباحة، فكل هذا جائز. وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض والله أعلم. وأما كذبه لزوجته وكذبها له، فالمراد به في إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك. فأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها، أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين والله أعلم.