ماذا يحب الله ورسوله-من يحبه النبي من عامة الناس (يحب النبي صلى الله عليه وسلم الحلم والأناة)

ماذا يحب الله ورسوله-من يحبه النبي من عامة الناس (يحب النبي صلى الله عليه وسلم الحلم والأناة)
206 0

الوصف

                                                     من يحبه النبي من عامة الناس

                                                    يحب النبي صلى الله عليه وسلم الحلم والأناة

يحب النبي صلى الله عليه وسلم الحلم والأناة

عن زارع -وكان في وفد عبد القيس- قال: لما قدمنا المدينة، فجعلنا نتبادر من رواحلنا، فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسل ورجله. قال: انتظر المنذر الأشج حتى أتى عيبته فلبس ثوبه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:

«إن فيك خلتين يحبهما الله: الحلم والأناة قال: يا رسول الله، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله.»

الحلم:

الحلم هو صحة العقل، وجودة النظر للعواقب، وانكسار قوة الغضب وخضوعها للعقل.. والحليم: الكثير الحلم، وهو الذي يصفح الذنوب ويصبر على الأذى. وقيل: الذي لم يعاقب أحدًا قط إلا في الله ولم ينتصر لأحد إلا الله. «والحليم» اسم من أسماء الله الحسنى. وقد كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم مليئة بالصفح عن ذنوب الآخرينوالصبر على أذاهمكما عفا عن الأعرابي الذي جفا في رفع صوته عليه، وعن الآخر الذي جبذ برداء النبي صلى الله عليه وسلم جبذة شديدة حتى أثر في كتفه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك التفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم وضحك وأمر له بعطاء، وعن الذي اتهمه بعدم العدل في القسم.

وكذلك قالت عائشة رضي الله عنها:

«ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل»

فهذا وغيره دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحلم الناس؛ ولهذا فهو يحب الحلم.

فالحلم من أشرف الأخلاق وأحقها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد. وحد الحلم ضبط النفس عند هيجان الغضب، وهذا يكون عن باعث وسبب. وأسباب الحلم الباعثة على ضبط النفس عشرة أحدها الرحمة للجهال، وذلك من خير يوافق رقة. وقد قيل في منثور الحكم: من أوكد أسباب الحلم رحمة الجهال. والثاني من أسباب القدرة على الانتصار، وذلك من سعة الصدر وحسن الثقة. والثالث من أسبابه الترفع عن السباب، وذلك من شرف النفس وعلو الهمة. والرابع من أسبابه الاستهانة بالمسيء، وذلك عن ضرب من الكبر والإعجاب كما حكي أن رجلًا أكثر من سب الأحنف وهو لا يجيبه فقال: والله ما منعه من جوابي إلا هواني عليه، وفي مثله يقول الشاعر:

إذا نَطَقَ السَّفِيهُ فلا تُجْبْهُ         فَخَيْرٌ مِنْ إِجَابَتِهِ السُّكُوتُ

سُكَتُّ عَنِ السَّفِيهِ فَظَنَّ أَنِّي         عَيْيتُ عَنِ الْجَوَابِ وَمَا عَيِيتُ

والخامس من أسبابه الاستحياء من جزاء الجواب، وهذا يكون من صيانة النفس وكمال المروءة. والسادس من أسبابه التفضل على السباب، فهذا يكون من الكرم وحب التألف. والسابع من أسبابه استنكاف السباب وقطع السباب، وهذا يكون من هذا الحزم. والثامن من أسبابه الخوف من العقوبة على الجواب، وهذا يكون من ضعف النفس وربما أوجبه الرأي واقتضاه الحزم. والتاسع من أسبابه الرعاية ليد سالفة وحرمة لازمة، وهذا يكون من الوفاء وحسن العهد. والعاشر من أسبابه المكر وتوقع الفرص الخفية، وهذا يكون من الدهاء. فهذه عشرة أسباب تدعو إلى الحلم، وبعض الأسباب أفضل من بعض وليس إذا كان بعض أسبابه مفضولًا ما يقتضي أن تكون نتيجته من الحلم مذموم، وإنما الأولى بالإنسان أن يدعوه للحلم أفضل أسبابه وإن كان الحلم كله فضلًا.

الأناة:

هي التؤدة، والتأني، والتثبت، وترك العجلة، والنظر في المصالح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«التؤدة في كل شيء خير، إلا في عمل الآخرة»

أي التأني في كل شيء من الأعمال خير مستحسن محمود إلا في عمل الآخرة فإنه غير محمود فيه بل الحزم بذل الجهد فيه لتكثير القربات ورفع ا لدرجات؛ لأن في تأخير الخيرات آفات. وقال عليه الصلاة والسلام:

«التأني من الله، والعجلة من الشيطان»

العجلة من الشيطان أي هو الحامل عليها بوسوسته؛ لأن العجلة تمنع من التثبت والنظر في العواقب وذلك موقع في المعاطب، وذلك من كيد الشيطان ووسوسته. قال ابن القيم: إنما كانت العجلة من الشيطان؛ لأنها خفة وطيش وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم وتوجب وضع الشيء في غير محله وتجلب الشرور وتمنع الخيور وهي متولدة بين خلقين ذميمين التفريط والاستعجال قبل الوقت. وعن ابن عباس: إذا تأنيت أصبت أو كدت تصيب، وإذا استعجلت أخطأت أو كدت تخطيء. قال عمرو بن العاص: لا يزال المرء يجتني من ثمرة العجلة الندامة.

ثم العجلة المذمومة ما كان في غير طاعة ومع عدم التثبت وعدم خوف الفوت. ولهذا قيل لأبي العيناء: لا تعجل فالعجلة من الشيطان، فقال: لو كان كذلك لما قال موسى: وعجلت إليك رب لترضى. والحزم ما قال بعضهم: لا تعجل عجلة الأخرق، ولا تحجم إحجام الواني الفرق. قيل: ويستثنى من ذلك ما لا شبهة في خيريته، قال الله تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) وهناك فرق بين المسارعة والمبادرة إلى الطاعات، وبين العجلة في نفس العبادات، فالأول محمود والثاني مذموم.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

«السمت الحسن، والتؤدة، والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة»

أي أن هذه الخصال من شمائل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأنها جزء من أجزاء فضائلهم فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها. وقيل: يحتمل أن يكون معناه أن هذه الخلال مما جاءت به النبوة ودعا إليها الأنبياء. وقيل معناه أن من جمع هذه الخصال لقيه الناس بالتوقير والتعظيم، وألبسه الله لباس التقوى الذي ألبس أنبياءه عليهم الصلاة والسلام. فكأنها جزء من النبوة.