ماذا يحب الله ورسوله-العبد المحبوب والعبد المبغوض (العبد المحبوب)

ماذا يحب الله ورسوله-العبد المحبوب والعبد المبغوض (العبد المحبوب)
349 0

الوصف

                                                    العبد المحبوب والعبد المبغوض
                                                             العبد المحبوب

العبد المحبوب والعبد المبغوض

إن لكل عمل ثمرات، والثمار من جنس الشجر، فمن كان عمله مما يحبه الله تعالى ويرضاه أحبه الله، ومن كان عمله مما يبغضه الله تعالى ويكرهه أبغضه الله.

وليس الشأن أن تحب الله، بل الشأن أن يحبك الله فتحصل على الخير والسعادة والفوز والنجاة والحب والقبول في الدنيا والآخرة. ويا بئس مصير من يبغضه الله تعالى، فهو خاسر مبغوض في الدنيا والآخرة.

إن مصير العبد المحبوب من الله وجزاؤه في الآخرة معروف، فالله –عز وجل- يدخله إحدى الدرجات المختلفة من الجنة، ويزيده من رضوانه بالنظر إلى وجهه تبارك وتعالى، وكذلك مصير العبد المبغوض من الله وعقابه في الآخرة معروف كذلك، إذ سيكون صاحب درك في النار، وعذاب من نوع خاص بحسب عمله، ولكن ما هو مصير المحبوب والمبغوض في الدنيا وما هي ثمرات حب الله أو بغضه للعبد؟

العبد المحبوب

إذا أحب الله عبدا وضع له القبول في الأرض:
إن من يحرص على الإتيان بكل ما يحبه الله من الأقوال والأفعال ويداوم على ذلك حتى يحبه الله، فإن الله تعالى إذا أحبه دعا جبريل أن يحبه وكذلك أهل السماء أن يحبوه، ثم يوضع له القبول في الأرض، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا نادى جبريل إن الله قد أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض"

فمن ثمرات حب الله للعبد القبول في الأرض وهو قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه والرضا عنه واعتقادهم فيه الخير وإرادتهم دفع الشر عنه ما أمكن.. فلا تكاد تجد أحدا إلا مائلا إليه مقبلا بكليته عليه، وإذا أحب الله عبد استنارت جهاته وأشرقت بنور الهداية ساحاته وظهرت عليه آثار الإقبال وصار له سيما من الجمال والجلال فنظر الخلق إليه بعين المودة والتكريم (ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ويؤخذ من الحديث أن محبة قلوب الناس علامة محبة الله، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم:

"أنتم شهداء الله في الأرض"

وفي هذا الحديث تأنيس العباد وإدخال المسرة عليهم، لأن العبد إذا سمع عن مولاه أنه يحبه حصل على أعلى السرور عنده وتحقق بكل خير، وهذا إنما يتأتى لمن في طبعه فتوة ومروءة وحسن إنابة كما قال تعالى: (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ) وأما من في نفسه رعونة وله شهوة غالبة فلا يرده إلا الزجر بالتعنيف والضرب.. ويؤخذ من هذا الحديث الحث على توفية أعمال البر على اختلاف أنواعها فرضها وسنتها، ويؤخذ منه أيضا كثرة التحذير عن المعاصي والبدع، لأنها مظنة السخط.

قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) إذ يعطي الله سبحانه المؤمن الألفة والملاحة والمحبة في صدور الصالحين والملائكة المقربين، فيجعل الله تعالى له في قلوب العباد مودة، لا يلقاه مؤمن إلا وقره، ولا مشرك ولا منافق إلا عظمه، وكان هرم بين حيان يقول: ما أقبل أحد بقلبه على الله تعالى إلا أقبل الله تعالى بقلوب أهل الإيمان إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.

قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه يغرسش لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات وهي الأعمال التي ترضي الله – عز وجل- لمتابعتها الشريعة المحمدية- يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه.. قال مجاهد: سيجعل لهم الرحمن ودا قال محبة في الناس في الدنيا، وقال سعيد بن جبير: يحبهم ويحببهم يعني إلى خلقه المؤمنين. وقال العوفي عن ابن عباس: الود من المسلمين في الدنيا والرزق الحسن واللسان الصادق، وقال قتادة: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا أي والله في قلوب أهل الإيمان. وقال قتادة: وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: ما من عبد يعمل خيرا أو شرا إلا كساه الله –عز وجل- رداء عمله.

قال الحسن البصري: قال رجل والله لأعبدن الله عبادة أذكر بها، فكان لا يرى في حين صلاة إلا قائما يصلي وكان أول داخل إلى المسجد وآخر خارج فكان لا يعظم، فمكث بذلك سبعة أشهر وكان لا يمر على قوم إلا قالوا انظروا إلى هذا المرائي فأقبل على نفسه فقال: لا أراني أذكر إلا بشر لأجعلن عملي كله لله -عز وجل- فلم يزد على أن قلب نيته ولم يزد على العمل الذي كان يعمله فكان يمر بعد بالقوم فيقولون رحم الله فلانا الآن.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إني قد أحببت فلانا فأحبه، فينادي في السماء، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قول الله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) "

وإذا كان العبد محبوبا في الدنيا فهو كذلك في الآخرة، فإن الله تعالى لا يحب إلا مؤمنا تقيا، ولا يرضى إلا خالصا نقيا، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه.

إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء"

وقال صلى الله عليه وسلم:

"إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا، وهو يحبه، كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه".

إن الأطباء تحمي شرب الماء في بعض الأمراض، والله –عز وجل- إذا أحب عبدا حماه، أي، حفظه من متاع الدنيا ومناصبها وحال بينه وبين ذلك بأن يبعده عنه ويعسر عليه حصوله فحال بيته وبين نعيمها وشهواتها ووقاه أن يتلوث بزهرتها لئلا يمرض قلبه بها وبمحبتها وممارستها ويألفها ويكره الآخرة كما يمنع الرجل مريضه من شرب الماء إذا كان يضره.. فهو جل اسمه يذود من أحبه عنها حتى لا يتدنس بها وبقذارتها ولا يشرق بغصصها، كيف وهي للكبار مؤذية، وللعارفين شاغلة، وللمريدين حائلة، ولعامة المؤمنين قاطعة، والله تعالى لأوليائه ناصر ولهم منها حافظ وإن أرادوها.

وكذلك الأطباء تمنع المريض من تناول بعض الأطعمة إذا كانت تضره وتزيد من مرضه، والله سبحانه يحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي أهل المريض مريضهم من الطعام الذي يؤذيه خوفا عليه من زيادة مرض بدنه بتناوله، والله تعالى إنما يحمي عبده لعاقبة محمودة وأحوال سديدة مسعودة، فما تقول في الطبيب الحاذق المحب إذا منع مريضه شربة ماء وسقاه شربة دواء كريه، أقصده إيذاء مريضه؟ بل هو نصح وإحسان لما علم أن في إعطاء مريضه ما يشتهيه من الطعام والشراب زيادة مرضه وربما هلاكه وموته، والغرض من التشبيه بيان كمال الاعتناء والشفقة والمحبة.

إذا أحب الله قوما ابتلاهم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع"

إذا أحب الله قوما ابتلاهم بأنواع البلاء حتى يمحصهم من الذنوب، ويفرغ قلوبهم من الشغل بالدنيا غيرة منه عليهم أن يقعوا فيما يضرهم في الآخرة، وجميع ما يبتليهم به من ضنك المعيشة وكدر الدنيا وتسليط أهلها ليشهد صدقهم معه وصبرهم في المجاهدة، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)

إذا أحب الله أهل بيت أدخل عليهم الرفق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق"

إذا أحب الله أهل بيت أدخل عليهم الرفق، لأنه تبارك وتعالى رفيق يحب الرفق في الأمر كله ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه، والرفق سبب كل خير، ومن يحرم الرفق يحرم الخير، ويدخل عليهم الرفق ليثيبهم عليه ما لا يثيب على غيره، وليعطيهم عليه في الدنيا من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد، وفي الآخرة من الثواب الجزيل ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم:

"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"