ماذا يحب الله ورسوله-ما يحب الله من البلاد والأشياء (أحب الطعام إلى الله من عمل اليدين)
الوصف
ما يحب الله من البلاد والأشياء
أحب الطعام إلى الله من عمل اليدين
أحب الطعام إلى الله من عمل اليدين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما أكل أحد منكم طعاما أحب إلى الله عز وجل من عمل يديه"
عمل اليدين:
إن أحب الطعام إلى الله تعالى ذلك الذي يأكله الإنسان من كسبه وعمل يديه، وقد حث الإسلام على العمل ونهى عن سؤال الناس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه"
ففيه الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك، إذ لا عيب في العمل من أجل الكسب، وفيه فضل العمل باليد، وتقديم ما يباشره الشخص بنفسه على ما يباشره بغيره، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل بنفسه ويأكل من عمل يديه حتى أنه رعى الغنم لأهل مكة، قال صلى الله عليه وسلم:
"ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: "نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة"
وقد كان جملة من الرسل والأنبياء يعملون ويأكلون من عمل أيديهم، فداود عليه السلام كان صاحب صنعة ويأكل من عمل يده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"
والحكمة في تخصيص داود بالذكر في الحديث أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة، لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى، وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل، ولهذا أورد النبي صلى الله عليه وسلم قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد، وفي الحديث أن التكسب لا يقدح في التوكل. والذي يظهر أن الذي كان يعمله داود بيده هو نسج الدروع، وألان الله له الحديد، فكان ينسج الدروع ويبيعها ولا يأكل إلا من ثمن ذلك مع كونه كان من كبار الملوك، قال الله تعالى: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ) ومع ذلك كان يتورع ولا يأكل إلا مما يعمل بيده، وقد قال الله تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ)
قال القرطبي: هذه الآية أصل في اتخاذ الصنائع والأسباب، وهو قول أهل العقول والألباب، لا قول الجهلة الأغبياء القائلين بأن ذلك إنما شرع للضعفاء، فالسبب سنة الله في خلقه فمن طعن في ذلك فقد طعن في الكتاب والسنة، ونسب من ذكرنا إلى الضعف والمنة.. فالصنعة يكف بها الإنسان نفسه عن الناس، ويدفع بها عن نفسه الضرر والباس. وقال ابن حجر: ومن شرطه ألا يعتقد أن الرزق من الكسب بل من الله تعالى بهذه الواسطة، ومن فضل العمل باليد الشغل بالأمر المباح عن البطالة واللهو وكسر النفس بذلك والتعفف عن ذلة السؤال والحاجة إلى الغير.. وفوق ذلك من عمل اليد ما يكتسب من أموال الكفار بالجهاد وهو مكسب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو أشرف المكاسب لما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى وخذلان كلمة أعدائه والنفع الأخروي.
وهناك كسب آخر طيب وحلال من غير عمل اليدين المباشر وهو كسب ولد الرجل وهو يعد من كسبه أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه"
أي: من جملته، لأنه حصل بواسطة تزوجه فيجوز له أن يأكل من كسب ولده، قال أبو عيسى الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، قالوا: إن يد الوالد مبسوطة في مال ولده يأخذ ما شاء. وقال بعضهم: لا يأخذ من ماله إلا عند الحاجة إليه.
وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم أن الولد من أطيب كسب الرجل وأباح الأكل من ماله فقال صلى الله عليه وسلم:
"ولد الرجل من كسبه، من أطيب كسبه، فكلوا من أموالهم"
ولهذا لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وقال له: يا رسول الله، إن لي مالا وولدا، وإن والدي يحتاج مالي؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم:
"أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم"
فهذا الرجل اشتكى للرسول صلى الله عليه وسلم أن والده يجتاح ماله- كما في رواية- من الاجتياح وهو الاستئصال، فلم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرخص له في ترك النفقة على والده وقال له:
"أنت ومالك لوالدك"
على معنى أنه إذا احتاج إلى مالك أخذ منك قدر الحاجة كما يأخذ من مال نفسه، وإذا لم يكن لك مال وكان لك كسب لزمك أن تكتسب وتنفق عليه.