ماذا يحب الله ورسوله-من غضب الله عليهم (يغضب الله على المتوليِّ يوم الزحف)
الوصف
من غضب الله عليهم
يغضب الله على المتوليِّ يوم الزحف
يغضب الله على المتوليِّ يوم الزحف
قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) .
الزحف:
هو الحرب مع الكفار، والمشي إلى العدو.
التولي:
أصله الانصراف عن الشيء، وهو الإعراض والإدبار، أي؛ الفرار يوم الجهاد. قال ابن عطية: والأدبار جمع دبر. والعبارة بالدبر في هذه الآية متمكنة الفصاحة؛ لأنها بشعة على الفار، ذامة له.
المتولي يوم الزحف:
المتولي يوم الزحف هو المدبر والفار يوم الجهاد ولقاء العدو في الحرب، والمتولي هاربًا من وجوه الكفار. وأشد منه ما لو دل الكفار على عورة المسلمين، عالمًا بأنهم يقتلونهم ويسبون نساءهم.
نهى الله تعالى المسلمين عن الفرار من وجوه الكفار يوم المعركة ولقاء العدو، وحرَّم على المؤمنين ذلك حين فرض عليهم الجهاد وقتال الكفار، أنه إذا تداينتم وتقاربتم منهم فلا تعطوهم أدباركم، ولا تفروا عنهم وتتركوا أصحابكم. ومن يفعل ذلك فقد رجع بغضبٍ من الله، ومصيره يوم ميعاده جهنم وبئس المصير، إلا أن يتفضل الله عليه بعفوه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فرَّ من الزحف".
واستثنى الله – عزَّ وجلَّ – من ذلك أن يكون المسلم فارًّا أو منسحبًا لمكيدة وخدعة حربية، ليكر عليهم مجددًا، قال تعالى: (وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ) ، أو لينضم إلى جماعة المجاهدين وجملتهم، أو يستعين بفئة أخرى من المسلمين يعاونهم ويعاونوه، فيرجع معهم إليهم لقتالهم غير منهزمٍ أيضًا، قال تعالى: (أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ) .
فأما إن كان الفرار من المعركة لغير هذه الأسباب، فإنه كبيرة من الكبائر السبع الموبقات المهلكات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اجتنبوا السبع الموبقات"
وذكر منهن:
"التولي يوم الزحف".
فمن الناحية الحربية والنفسية، فإن فرار الرجل من المعركة يهون الفرار على رجالٍ آخرين فيقتدون به ويتبعونه في فراره، وبذلك تتخلخل صفوف الجيش وتدب فيها الفوضى، بل ربما يؤدي هذا الفرار أيضًا إلى تثبيط همم وعزائم الباقين في القتال، فتضعف النفوس عن القتال، وقد يؤدي كل ذلك إلى الهزيمة في هذه المعركة.
وكما نهى الله – عزَّ وجلَّ – عن الفرار والتولي يوم المعركة، أمر بالثبات والصبر عند قتال الكفار، فالتقى الأمر والنهي على سواء. وهذا تأكيد على الوقوف للعدو والتجلد له. وأمر المؤمنين كذلك بذكر الله كثيرًا والدعاء بالنصر عليهم والظفر بهم، لعلهم ينجحون ويظفرون بالعدو، ويرزقهم الله النصر عليهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) . ففي هذا تعليم من الله تعالى لعباده المؤمنين آداب اللقاء وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تمنَّوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف".
ثم قال:
"اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم".
فالواجب على المؤمن طاعة الله – عزَّ وجلَّ – والثبات عند قتال الأعداء والصبر على مبارزتهم، فلا يفر ولا ينكل ولا يجبن، وأن يذكر الله في تلك الحال ولا ينساه، بل يستعين به، ويتوكل عليه، ويسأله النصر على أعدائه، ولا يتنازع فيما بينه وبين المؤمنين أيضًا فيختلفوا، فيكون سببًا لتخاذلهم وفشلهم، وذهاب قوتهم وجرأتهم وإقدامهم، كما قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) .
وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله به، وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم، فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أمرهم؛ فتحوا القلوب والأقاليم شرقًا وغربًا في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم، وقهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت المماليك الإسلامية في مشارق الأرض مغاربها في أقل من ثلاثين سنة، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.