ماذا يحب الله ورسوله- مَن يبغضهم الله من الناس (يمقت الله الذين يقولون ما لا يفعلون)
الوصف
مَن يبغضهم الله من الناس
يمقت الله الذين يقولون ما لا يفعلون
يمقت الله الذين يقولون ما لا يفعلون
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) .
القول ما لا يفعل:
هو أن يعد الإنسان وعدًا، أو يقول قولًا ولا يفي به، أو يقول عن نفسه من الخير ما لا يفعله. أما في الماضي فيكون كذبًا، وأما في المستقبل فيكون خلفًا، وكلاهما مذموم.
القائلون ما لا يفعلون:
القائلون ما لا يفعلون هم الذين يتعلمون العلم ويعلمونه للناس ولا يعملون بما يقولون، والعمل بالعلم هو المطلوب من العباد، النافع عند قيام الأشهاد، ومتى تخلف العمل عن العلم كان حجةً على صاحبه وخزيًا وندامة يوم القيامة. فإن صاحب العلم اللساني الذي لم يتأثر منه فإنه محجوج عليه، ويقال له: (لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) . قال مالك بن دينار. إذا لم يعمل العالم بعلمه، زلت موعظته من القلوب كما يزل القطر من الصفا:
يا واعظ الناس قد أصبحت متهمًا إذ عبت منهم أمورًا أنت تأتيها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أتيت ليلة أُسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نارٍ، كلما قرضتْ وَفَتْ، فقلت: يا جبريل مَن هؤلاء؟" قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به. وعن بعض السلف أنه قيل له: حدثنا؛ فسكت. ثم قيل له: حدثنا. فقال: أترونني أن أقول ما لا أفعل فاستعجل مقت الله!.
وهم الذين ينصحون غيرهم بعمل البر والخير وينسون أنفسهم، فلا يفعلون ما يقولون. قال تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) . إن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر؛ ولهذا ذم الله تعالى في كتابه قومًا كانوا يأمرون بأعمال البر ولا يعملون بها. وبخهم به توبيخًا يُتلى على طول الدهر إلى يوم القيامة، وقال أبو العتاهية:
وصفت التقى حتى كأنك ذو تقى وريح الخطايا من ثيابك تسطع
وقال أبو الأسود الدؤلي:
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإن انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى بالقول منك وينفع التعليم
والغرضُ أن الله تعالى ذمَّهم على هذا الصنيع، ونبَّههم على خطئهم في حق أنفسهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف، وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع مَن أمرهم به ولا يتخلف عنهم.
وهم الذين يسألون عن أي الأعمال أحب إلى الله ليعلموه، فإذا علموه لا يعملون به. وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) ، يوجب على كل من ألزم نفسه عملًا فيه طاعة أن يفي بها.
وهم الذين يعدون بالقيام بالجهاد في سبيل الله، فإذا دُعوا إليه تولوا ولا يفون بما وعدوا به. قال الله تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) .
وهم الذين يعدون المسلمين النصر لا يفون لهم بذلك. وهم الذين يقولون: قاتلنا، ولم يقاتلوا. وضربنا، ولم يضربوا، وصبرنا ولم يصبروا... وهم الذين يتشبعون بما لم يعطوا: من مالٍ يختالون في التجمل به من غيرهم، أو نسبٍ ينتمون إليه، أو علمٍ يتحلون به وليسوا هم من حملته، أو دين يظهرونه، وليس هم من أهله؛ يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا. وقد قال الله تعالى: (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) . يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يعطوا، كما قال النب صلى الله عليه وسلم:
"من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها، لم يزده الله إلا قلة".
وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا:
"المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور".
وهم الذين يعاهدون الناس، ويبرمون معهم العقود، ويتفقون مع الآخرين، ولا يوفون بعهودهم، أو بعقودهم، أو باتفاقاتهم، وينقضون وينكثون ويخلفون. قال الله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ) لفظ عام لجميع ما يعقد الإنسان باللسان، وقال عزَّ وجلَّ: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) . وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .
وهم الذين يعدون غيرهم بالوعد الخير ولا يفون به؛ فصدقُ الوعد من الصفات الحميدة، كما أن خلفه من الصفات الذميمة، قال الله تعالى: (لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"،
ولما كانت هذه صفات المنافقين، كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين.
وهم الذين يعدون الأطفال بأشياء ولا يفون لهم، والكلمات التي يتفوه بها الناس هزلًا ومداعبةً للأطفال عند البكاء مثلًا بإعطائهم شيء ما، أو وعدهم بشيء إذا نفذوا أمرًا ما، أو تخويفهم بشيء إذا ارتكبوا شيئًا ما – هذه الكلمات داخلة في الكذب. عن عبد الله بن عامر، أنه قال: دعتني أمِّي يومًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم، قاعدٌ في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"وما أردت أن تعطيه؟"
قالت: أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أما إنك لو لم تعطيه شيئًا كُتِبَت عليك كذبةٌ".