ماذا يحب الله ورسوله-من غضب الله عليهم(لا يرضى الله عن شارب الخمر)
الوصف
من غضب الله عليهم
لا يرضى الله عن شارب الخمر
لا يرضى الله عن شارب الخمر أربعين ليلة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة، فإن مات مات كافرًا، وإن تاب تاب الله عليه، وإن عاد حقًا على الله أن يسقيه من طينة الخبال"، قالت: قلت: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: "صديد أهل النار".
الخمر:
الخمر مأخوذة من خَمَر إذا ستر؛ ومنه خمار المرأة. وكل شيء غطَّى شيئًا فقد خَمَره؛ فالخمر تَخْمُر العقل، أي؛ تغطيه وتستره. وقيل: إنما سميت الخمر خمرًا؛ لأنها تُركت حتى أدركت؛ كما يقال: قد اختمر العجين، أي؛ بلغ إدراكه. وخُمِر الرأي، أي؛ تُرك حتى يتبين فيه الوجه. وقيل: إنما سميت الخمر خمرًا؛ لأنها تخالط العقل، من المخامرة وهي المخالطة؛ ومنه قولهم: دخلت في خُمار الناس، أي؛ اختلطت بهم. فالمعاني الثلاثة متقاربة؛ فالخمر تُركت وخُمِرت حتى أدركت، ثم خالطت العقل، ثم خمرته؛ والأصل الستر. والخمر: ماء العنب الذي غَلَى أو طُبخ؛ وما خامر العقل من غيره فهو في حكمه. والجمهور من الأمة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فمحرم قليله وكثيره، والحد في ذلك واجب.
إن الله تعالى لم يدع شيئًا من الكرامة والبر إلا أعطاه هذه الأمة، ومن كرامته وإحسانه أنه لم يوجب عليهم الشرائع دفعة واحدة، ولكن أوجب عليهم مرة بعد مرة؛ فكذلك تحريم الخمر. فأول ما نزل في أمر الخمر قول الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) . ثم بعد ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) . ثم قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ) . ثم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
لقد حرَّم الله الخمر، وشربها يعد من كبائر الذنوب، فالخمر أم الخبائث، تخرج شاربها من الإنسانية إلى الحيوانية، ومن الوعي إلى الغيبوبة، ومن العقل إلى الجنون، والسكرات يختل كلامه المنظوم، وينكشف سره المكتوم، ولا يعرف السماء من الأرض، ولا الطول من العرض، ولا يميز بين الحسن والقبيح، ولا يتورع عن المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش والزور والقتل وزنا المحارم وغير ذلك من الفواحش والآثام ما ظهر منها وما بطن، وما لا يرضى الإنسان أن يفعله صحيحًا واعيًا لا يتردد في أن يفعله وهو سكران، ثم إن الشارب يصير ضُحْكَة للعقلاء، فيلعب ببوله وبرازه، وربما يمسح بهما وجهه، أو يقوم بأفعال أخرى تجعله مضحكة حتى للأطفال والسفهاء، ويكفي أن السكران يسقط من أعين الناس واعتبارهم ولو كان رفيع الشأن.
قال عثمان رضي الله عنه:
"اجتنبوا الخمر، فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تبعد، فعَلِقَتْه امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة، فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل بابًا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام، وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي، أو تشرب من هذه الخمرة كأسًا، أو تقتل هذا الغلام، قال: فاسقيني من هذا الخمر كأسًا، فسقته كأسًا، قال: زيدوني! فلم يَرِمْ حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر، فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر، إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه".
فهذا هو شأن الخمر إذا خامرت العقل فعل الإنسان أي شيء قبيح، ومن شرب كأسًا طلب الزيادة إلى أن يزول عقله؛ ولهذا فإن القليل من الخمر حرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما أسكر كثيره، فقليله حرام"،
فقد سد الشرع نهائيًا باب الخمر فحرَّمه حتى وإن كان رشفة يسيرة.
وقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الخمر سوف تُسمى بغير اسمها لإبعادها عن لفظ الخمر المفزع؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:
"ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها"،
فمهما كان اسم الخمر فهو حرام؛ سواء كان اسمها نبيذ أو عرق أو جعة وهي البيرة أو (ويسكي) أو (شمبانيا) أو (كونياك) أو (فودكا) أو مشروبات روحية أو أي اسم آخر، فليس هناك أي مجال لأي إنسان أن يخدع نفسه ويقنعها بأن ما يشربه لا ينطبق عليه اسم الخمر. وحتى لا يقول أحد عن شراب ما إنه ليس خمرًا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"كل مسكر خمر"؛
فإذا كان كل مسكر خمرًا فهو إذًا حرام، قال صلى الله عليه وسلم:
"كل مسكر حرام"،
وهذا فيه رد على بعض الناس الذين يخادعون الله وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، الذين يقولون إنهم إذا شربوا الخمر لا يسكرون، وهي بالنسبة لهم كعصير البرتقال والتفاح وغيرها من الفاكهة بالنسبة لغيرهم، فكل مسكر يسكر غيرهم فهو حرام بعينه ويحرم شربه وإن لم يسكرهم هم، كذلك ما أسكر غيرهم كثيره، فقليله عليهم حرام وإن لم يسكرهم كثيره.
وقد أعلم الله تعالى عباده أن الشيطان إنما يريد أن يوقع العداوة والبغضاء بين الناس بسبب الخمر، فكم من أصدقاء اجتمعوا على شرب الخمر وليس في قلوبهم ضغائن، فلما سكروا تشاجروا وضربوا بعضهم البعض حتى أدموا أنفسهم وشوهوا وجوههم فوقعت العداوة و البغضاء فيما بينهم؟! بل كم سمعنا عن صديقين حميمين اجتمعا على شرب الخمر فلما سكرا قتل أحدهما الآخر ثم أقيم الحد على القاتل وأُعدم ولم يكن السبب سوى جرعة خمر؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تشرب الخمر، فإنها مفتاح كل شر".
ولهذا حذَّرنا الله تعالى من الخمر، ونهانا عنها، وأمرنا باجتنابها أشد الاجتناب وعدم التعامل في أي عمل له علاقة بالخمر فضلًا عن شربها؛ وقد لُعنت الخمر على عشرة أوجه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه"
"وآكل ثمنها"،
بل هناك حالة غير هذه الحالات العشر ومع ذلك نهى الشرع عنها، وهي أن يجلس الإنسان على مائدة تدار عليها الخمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس على مائدة يُدار عليها بالخمر"،
فإذا كان هذا الإنسان لا يشرب الخمر ولا يفعل أي عمل من الأعمال الأخرى المذكورة والأمر هكذا، فكيف يكون الأمر إذًا لو كان يشرب؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"؛
فقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن شارب الخمر، ومن انتفى الإيمان عنه ومات على ذلك فحسابه عسير وعاقبته وخيمة يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم:
"لا يدخل الجنة مدمن خمر"،
وأقل ذلك أن المسلم الذي يدخل الجنة سيُحرم من خمر الآخرة إن شربها في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم:
"من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حُرِمها في الآخرة".
والوعيد يتناول من شرب الخمر وإن لم يحصل له السكر؛ لأنه رتب الوعيد في الحديث على مجرد الشرب من غير قيد. وقال الخطابي والبغوي في (شرح السنة): معنى الحديث لا يدخل الجنة؛ لأن الخمر شراب أهل الجنة، فإذا حُرِمَ شربها دل على أنه لا يدخل الجنة. وقال ابن عبد البر: هذا وعيد شديد يدل على حرمان دخول الجنة. قال: ويحمل الحديث عند أهل السنة على أنه لا يدخلها ولا يشرب الخمر فيها إلا إن عفا الله عنه كما في بقية الكبائر وهو في المشيئة. فالله أعلم كيف يكون الحال.
أما في الدنيا فوضع شارب الخمر خطير إن لم يتب من شربها مطلقًا، فالله – عزَّ وجلَّ – لا يرضى عن شارب الخمر أربعين ليلة، فإن مات مات كافرًا، والخمر تصد عن ذكر الله وعن الصلاة بل وإن صلَّى الإنسان فإن الله – عزَّ وجلَّ – لا يتقبل منه صلاة أربعين صباحًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال".
قيل: يا أبا عبد الرحمن وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النار. فالذي لا يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا بسبب شربه الخمر ومع ذلك يصر على إدمانها فهو كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مدمن الخمر كعابد وثن".
أما عن عقابه وإقامة الحد عليه فقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم وتشريعه تشريع لرب العالمين:
"من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه"،
فهذا ما يستحقه شارب الخمر، إلا أن القتل قد رُفع وبقي الجلد، وهو أربعين جلدة.