ماذا يحب الله ورسوله-مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس (يحب الله العبد التقي الغني الخفي)

ماذا يحب الله ورسوله-مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس (يحب الله العبد التقي الغني الخفي)
248 0

الوصف

                                                    مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس
                                                        يحب الله العبد التقي الغني الخفي

يحب الله العبد التقي الغني الخفي

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي".

التقي:
التقي هو الذي يؤمن بالغيب، ويقيم الصلاة، وينفق مما رزقه الله، ويؤمن بما أُنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم وما أُنزل من قبله، ويوقن بالآخرة، ويوفي بعهده، ويتقي محارم الله، ويطيع الله ويتبع شريعته التي بعث بها خاتم رسله وسيدهم.

الغني:
المراد بالغنى غنى النفس، هذا هو الغنى المحبوب لقوله صلى الله عليه وسلم:

"ولكن الغنى غنى النفس"،

قال ابن بطال: معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال؛ لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير لشدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضى ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب، فكأنه غني، وقال القرطبي: معنى الحديث إن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس، وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع فعزت وعظمت وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذين يناله من يكون فقير النفس لحرصه فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لدناءة همته وبخله، ويكثر من يذمه من الناس ويصغر قدره عندهم فيكون أحقر من كل حقير وأذل من كل ذليل.

والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعًا بما رزقه الله، لا يحرص على الازدياد لغير حاجة ولا يلح في الطلب ولا يلحف في السؤال، بل يرضى بما قسم الله له، فكأنه واجد أبدًا، والمتصف بفقر النفس على الضد منه لكونه لا يقنع بما أعطي بل هو أبدًا في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه، ثم إذا فاته المطلوب حزن وأسف، فكأنه فقير من المال؛ لأنه لم يستغن بما أعطي، فكأنه ليس بغني. ثم غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره علمًا بأن الذي عند الله خير وأبقى، فهو معرض عن الحرص والطلب. وقال الطيبي: يمكن أن يراد بغنى النفس حصول الكمالات العلمية والعملية، وإلى ذلك أشار القائل:

ومن ينفق الساعات في جمع ماله         مخافة فقر فالذي فعل الفقر

أي ينبغي أن ينفق أوقاته في الغنى الحقيقي وهو تحصيل الكمالات، لا في جمع المال فإنه لا يزداد بذلك إلا فقرًا. قال ابن حجر: وهذا وإن كان يمكن أن يراد لكن الذي تقدم أظهر في المراد، وإنما يحصل غنى النفس بغنى القلب بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكره على نعمائه ويفزع إليه في كشف ضرائه، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تعالى، والغنى الوارد في قوله تعالى: (وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى) يتنزل على غنى النفس، فإن الآية مكية ولا يخفى ما كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تفتح عليه خيبر وغيرها من قلة المال والله أعلم.

الخفي:
الخفي هو الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"رب أشعث مدغوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه"،

الأشعث الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل، ومدفوع بالأبواب أي لا قدر له عند الناس فهم يدفعونه عن أبوابهم ويطردونه عنهم احتقارًا له، لو أقسم على الله لأبرَّه أي لو حلف على وقوع شيء أوقعه الله إكرامًا له بإجابة سؤاله وصيانته من الحنث في يمينه، وهذا لعظم منزلته عند الله تعالى وإن كان حقيرًا عند الناس، وقيل معنى القسم هنا: الدعاء، وإبراره: إجابته.

إن الله يحب التقي الخفي الذي إن غاب لم يفتقد وإن حضر لم يعرف، لا يتظاهر بالخير وإظهار العمل والعلم، ولا يطلب الجاه في قلوب الخلق، يقنع باطلاع الخالق على طاعته دون اطلاع الخلق، ويقنع بحمد الله وحده دون حمد الناس، يكره الشهرة ويفضل خمول الذكر.