ماذا يحب الله ورسوله-مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس (يحب الله الزاهد في الدنيا)

ماذا يحب الله ورسوله-مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس (يحب الله الزاهد في الدنيا)
189 0

الوصف

                                                    مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس

                                                      يحب الله الزاهد في الدنيا

يحب الله الزاهد في الدنيا

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ازهد في الدنيا يحبك الله".

الزهد في الدنيا:
الزهد في الدنيا هو ترك ما لا يحتاج إليه من الدنيا وإن كان حلالًا والاقتصار على الكفاية والورع وترك الشبهات، فللزهد في الدنيا حقيقة وأصل وثمرة: أما حقيقته فهو عزوف النفس عن الدنيا وانزواؤها عنها طوعًا مع القدرة عليه. وأما أصله فهو العلم والنور الذي يشرق في القلب حتى ينشرح به الصدر، ويتضح به أن الآخرة خير وأبقى، وأن نسبة الدنيا إلى الآخرة أقل من نسبة حصى إلى جوهرة. وأما ثمرته فهي القناعة من الدنيا بقدر الضرورة، وهو قَدْر زاد الراكب. فالأصل نور المعرفة، فيثمر حال الانزواء، ويظهر على الجوارح بالكف إلا عن قدر الضرورة في زاد الطريق.

والزهد على درجات:
إحداها، أن يزهد ونفسه مائلة إلى الدنيا ولكن يجاهدها وهذا متزهد وليس بزاهد. ولكن بداية الزهد التزهد. الثانية، أن تفر نفسه عن الدنيا ولا تميل إليها، لعلمه أن الجمع بينها وبين نعيم الآخرة غير ممكن، فتسمح نفسه بتركها، كما تسمح نفس من يبذل درهمًا ليشتري جوهرة، وإن كان الدرهم محبوبًا عنده وهذا زهد. الثالثة، ألا تميل نفسه إلى الدنيا ولا تنفر عنها، بل يكون وجودها وعدمها عنده بمثابة واحدة، ويكون المال عنده كالماء، وخزانة الله تعالى كالبحر، فلا يلتفت قلبه إليه رغبة ونفورًا. وهذا هو الأكمل؛ لأن الذي يبغض شيئًا فهو مشغول به كالذي يحبه.

لقد ذم الله تعالى الدنيا وزهَّد فيها في كثير من الآيات، وأكثر القرآن مشتمل على ذم الدنيا والزهد فيها وصرف الخلق عنها وترغيبهم في الآخرة ودعوتهم إليها. قال الله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) وقال تعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) فهذا من الله – جل وعلا – تزهيد في الدنيا وتقليلها وتحقيرها وترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى في الآخرة التي هي الحياة الدائمة الحق التي لا زوال لها ولا انقضاء بل هي مستمرة أبد الآباد.

وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث على الزهد في الدنيا؛ لأنها كما قال صلى الله عليه وسلم:

"لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء".

وقال صلى الله عليه وسلم:

"كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".

وزاد في رواية أخرى:

"وعُدَّ نفسك من أهل القبور".

وكان صلى الله عليه وسلم يرغِّب في الآخرة لأنها هي دار المقر وما الدنيا فيها إلا كما قال صلى الله عليه وسلم:

"والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم، فلينظر بم يرجع"،

فما الدنيا بالنسبة إلى الآخرة في قصر مدتها وفناء لذاتها ودوام الآخرة ودوام لذاتها ونعيمها إلا كنسبة الماء الذي يعلق بالإصبع إلى باقي البحر.

وهكذا كانت حياته صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم:

"ولو كان لي مثل أُحد ذهبًا؛ ما يسرني أن لا تمر عليَّ ثلاث ليالٍ وعندي منه شيء إلا شيئًا أرصده لدَين".

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى درجات الزهد في الدنيا بحيث أنه لا يحب أن يبقى بيده شيء من الدنيا إلا لإنفاقه فيمن يستحقه، وإما لإرصاده لمن له حق، وإما لتعذر من يقبل ذلك منه. وقد قال عليه الصلاة والسلام:

"ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها"،

و

"ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند موته درهمًا ولا دينارًا، ولا عبدًا ولا أمة، ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء وسلاحه، وأرضًا جعلها صدقة".

إن إيثار الدنيا على الآخرة يكون إما من فساد في الإيمان، وإما من فساد في العقل. وما أكثر ما يكون منهما. ولهذا نبذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهره هو وأصحابه وصرفوا عنها قلوبهم، وطرحوها ولم يألفوها، وهجروها ولم يميلوا إليها، وعدُّوها سجنًا لا جنة، فزهدوا فيها حقيقة الزهد.. وعلموا أنها معبر وممر ولا دار مقام ومستقر، وأنها دار عبور لا دار سرور، وأنها سحابة صيف تنقشع عن قليل، وخيال طيف ما استتم الزيارة حتى أذَّن بالرحيل.

قال عليه الصلاة والسلام:

"الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر"؛

فكل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة، مكلف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من النقصان.

فالزاهد في الدنيا هو الذي علم أن الله – عزَّ وجلَّ – قد أهان الدنيا، وأنه لم يرضها لأوليائه، وأنها عنده حقيرة قليلة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم زهَّد فيها وحذَّر أصحابه من فتنتها. وهو الذي نظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها واضمحلالها ونقصها وخستها وألم المزاحمة عليها والحرص عليها، وما في ذلك من الغصص والنغص والأنكاد، وآخر ذلك الزوال والانقطاع مع ما يعقب من الحسرة والأسف. ونظر في الآخرة وإقباله ومجيئها ولا بد، ودوامها وبقائها، وشرف ما فيها من الخيرات والمسرَّات والتفاوت الذي بينها وبين ما في الدنيا. وإذا كان أغلب الناس لا يتركون النفع العاجل واللذة الحاضرة إلى النفع الآجل واللذة الغائبة المنتظرة؛ فالزاهد في الدنيا قد تبين له فضل الآجل على العاجل، وقويت رغبته في الأعلى الأفضل.

فالمؤمن الذي يحبه الله هو الذي لا يركن إلى الدنيا ولا يتخذها وطنًا، ولا يحدِّث نفسه بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها، ولا يتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا يشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يرد الذهاب إلى أهله ووطنه.