ماذا يحب الله ورسوله-مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس (يحب الله من أحسن الجوار)

ماذا يحب الله ورسوله-مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس (يحب الله من أحسن الجوار)
205 0

الوصف

                                                    مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس

                                                        يحب الله من أحسن الجوار

حسن الجوار:
حسن الجوار هو أن يحسن الإنسان جوار من جاره من الناس ومعاملتهم بالإحسان وملاطفتهم وكف طرق الأذى عنهم؛ ومَن لم يحسن جوار جاره لا يحبه الله تعالى ولا رسوله بل هو بغيض عندهما. واسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصديق والعدو، والبلدي والغريب، والنافع والضار، والقريب والأجنبي، والأقرب دارًا والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرَّا إلى الواحد، وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك، فيعطي كل حقه بحسب حاله، وقد تتعارض صفتان فأكثر فيرجح أو يساوي. وقيل إن الجيران ثلاثة: جار له حق وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم حق الجوار والإسلام والرحم.

لقد أمر الله – عزَّ وجلَّ – ورسوله صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الجار، قال تعالى:(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ) فأكد ذكر الجار بعد الوالدين والأقربين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورَِّثه"،

وكما جاء الأمر بالإحسان إلى الجار جاء أيضًا النهي عن إيذائه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره".

وقال صلى الله عليه وسلم:

"والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن" قيل: ومَن يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه".

البائقة هي الداهية والشر والخصومات والغائلة والشيء المهلم. ففي هذا الحديث تأكيد حق الجار وكف الأذى عنه لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك، وتكريره اليمين ثلاث مرات. وحق الجوار ليس بكف الأذى فقط بل باحتمال الأذى أيضًا.

قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: حفظ الجار من كمال الإيمان، وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه، ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية، والسلام، وطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقد حاله، ومعاونته فيما يحتاج إليه إلى غير ذلك. وقد نفى صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يأمن جاره بوائقه وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار وأن إضراره من الكبائر. ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح وغير الصالح؛ والذي يشمل الجميع إرادة الخير له، وموعظته بالحسنى، والدعاء له بالهداية، وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل، والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم، وغير الصالح كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه ويبين محاسنه والترغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضًا ويستر عليه زلله عنغيره، وينهاه برفق، فإن أفاد فبه وإلا فيهجره قاصدًا تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسبب ليكف.

وقيل إن من حق الجار على الجار: إن استقرضك أقرضته، وإن استعانك أعنته، وإن مرض عدته، وإن احتاج أعطيته، وإن افتقر عدت عليه، وإن أصابه خير هنيته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذيه بريح قدرك إلا أن تغرف له، وإن اشتريت فاكهة فأهد له، وإن لم تفعل فأدخلها سرًا ولا تخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك",

وقال صلى الله عليه وسلم:

"يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فِرْسَنَ شاة"،

أي؛ لا تحقرن أن تهدي المرأة لجارتها ولو حافر شاة لا ينتفع به في الغالب.. وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن؛ لأنه لم تجر العادة بإهدائه، أي؛ لا تمنع جارة من الهداية لجارتها الموجود عندها لاستقلاله بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر وإن كان قليلًا فهو خير من العدم.. وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير؛ لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت، وإذا تواصل اليسير صار كثيرًا، وفيه إسقاط التكلف واستحباب التوادد والتحابب، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:

"تهادوا تحابُّوا"،

فكأنه قال: لتوادد الجارة جارتها بهدية ولو حقرت، فيستاوى في ذلك الغني والفقير، وخص النهي بالنساء؛ لأنهم موارد المودة والبغضاء؛ ولأنهن أسرع انفعالًا في كل منهما.

وإذا تأكدت هذه الحقوق للجار الإنساني، مع وجود الحائل من الجدران ونحوها التي تحجبه عن نظره فلا يطَّلع عليه، فمن الأولى أن يراعي حق المَلَكين الحافظين اللذين ليس بينه وبينهما جدار ولا حائل فهما يطَّلعان عليه – بألا يؤذيهما بارتكاب المخالفات والمعاصي في ساعات أيامه، فقد جاء أنهما يسران بوقوع الحسنات ويحزنان بوقوع السيئات، فينبغي مراعاة جانبهما وحفظ خواطرهما بالتكثير من عمل الطاعات والمواظبة على اجتناب المعصية، فهما أولى برعاية الحق من كثير من الجيران.

أما حد الجوار فقد اختلف فيه: فجاء عن علي رضي الله عنه:

"مَن سمع النداء فهو جار"

وقيل:

"مَن صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار"،

وعن عائشة رضي الله عنها:

"حد الجوار أربعون دارًا من كل جانب"

وقيل:

"أربعون دارًا عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه"

وهذا يحتمل كالأولى، ويحتمل أن يريد التوزيع فيكون من كل جانب عشرة.