موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (17- أصناف الناس بالنسبة إلى الهداية كأصناف الأرض بالنسبة إلى الغيث)
الوصف
نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية
17- أصناف الناس بالنسبة إلى الهداية كأصناف الأرض بالنسبة إلى الغيث
17- أصناف الناس بالنسبة إلى الهداية كأصناف الأرض بالنسبة إلى الغيث
روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضًا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به.
الكلأ: ما تنبته الأرض من مرعى الدواب.
العشب: هو الرطب من البقول البرية ينبت في الربيع.
الأجادب من الأرض: صلاب الأرض التي تمسك الماء فلا تشربه سريعًا.
القيعان: جمع قاع، والمراد منها أنواع من الأرض لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ.
يمثل الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الهداية والعلم اللذين بعثه الله بهما للناس بمثال مادي مشاهد في أحداث الطبيعة، ألا وهو غيث السماء الذي ينزل على أصناف شتى من الأرض.
فالهدى والعلم كالغيث من السماء، وأصناف الناس في استقبال الهدى والعلم كأصناف الأرض في استقبال الغيث، فكل صنف منهم يشبه صنفًا منها.
ولما كان الهدى والعلم الربانيان فيهما للناس حياة سعيدة باذخة المجد عزيزة الجانب، كان فيهما شبه بالغيث الذي ينزل من السماء، إذ فيه حياة الأرض ونضارتها ورونقها، هذا وجه شبه بينهما.
ووجه شبه آخر وهو أن الهدى والعلم الربانيان منزلان على الرسول صلى الله عليه وسلم من السماء أي من جهة السمو والعلو، وكذلك الغيث ينزل أيضًا بأمر الله وقضائه من جهة السماء.
ووجه شبه ثالث وهو أن الهدى والعلم الربانيان أمران نقيان طاهران من كل باطل أو فساد، وكذلك الغيث الذي ينزل من السماء ينزل نقيًّا طاهرًا من كل رجس ودنس.
ووجه شبه رابع وهو أن الهدى والعلم الربانيان أمران يقدمهما الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعًا ليتعلموا ويهتدوا، وكذلك الغيث إذ ينزل في بلد فإنه يشمل رقعة أرضها، فيصيب مختلف أصنافها جميعًا بنسبة متساوية، دون تفريق بين حجر صلد، ورمالٍ غير متماسكة، وتربة خصبة، وأرض سبخة.
(أ) فطائفة طيبة من الأرض يشبهها طائفة طيبة من الناس، إذ من الملاحظ أن غيث السماء ينزل عامًا على جميع أصناف الأرض، كما يبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم الهدى والعلم لجميع الناس.
أما الغيث فتستقبله الأرض الطيبة الجيدة التربة اللينة الجانب، وهي متعطشة له، مستعدة للحياة، خيرة معطاء، غنية بالخصب والنماء، فتنتفع من الغيث لنفسها، وتنفع بنباتها وثمراتها غيرها.
وكذلك نجد في الناس طائفة طيبة، تتقبل الهدى والعلم، فتنتفع بهما اعتقادًا وعملًا، وتنفع الناس بهما دعوة وهداية وتعليمًا.
والصفة الخلقية لهذه الطائفة هي التواضع ولين الجانب وحب الحق وإيثاره، وحب العطاء للآخرين.
ومعلوم أن أفراد هذه الطائفة الطيبة يتفاوتون فيما بينهم تفاوتًا كبيرًا.
(ب) وطائفة أخرى أجادب من الأرض يشبهها طائفة من الناس.
والأجادب أرض لا خصب فيها، ولا خير عندها، لكنها مطمئنة الجانب، يصيبها الغيث من السماء فتحفظه في منخفضاتها وفي تجاويفها، ولا تستكبر عن تلقيه وحفظه. إلا أنها لا ترتشفه، فلا يخالط منها تربة صالحة. لذلك فهي لا تعطي ثمرًا، ولا تنبت نباتًا حسنًا، إنما تحتفظ بما ينزل عليها من الغيث، فيأتي الناس فيجدون ما عندها من ماءٍ فيأخذونه فينتفعون به، وهذه الطائفة من الأرض متفاوتة في مقادير ما تحفظ من ماء على مقدار ما عندها من استعداد للاستيعاب، فمنها ما يحوي البحيرات الكبيرة، ومنها ما يحوي الجرعات القليلة، ومنها ما هو بين ذلك.
وكذلك نجد في الناس طائفة كهذه الأجادب من الأرض، يلقى عليها الهدى والعلم، فلا تقبل في ذاتها الخير والهداية، فلا تنبت عملًا صالحًا، ولا تمنح خيرًا ولا ثمرًا، لكنها تستوعب ما يلقى إليها استيعاب الحفظ المجرد، فيأتي إليها طلاب الهداية والمعرفة، فيجدون ما عندها من ذلك، فيتعلمونه ويعملون به، وينتفعون وينفعون.
والصفات الخلقية لهذه الطائفة صفات فيها بعض النفع للآخرين، ولكن ليس فيها نفع لأصحابها، فلديها حرص على تحصيل مجد بين الناس، ولكن ليس لديها قوة إرادة تضبط سلوكها على صراط الهداية، وتكبح جماح أهوائها وشهواتها.
(ج) وطائفة ثالثة من الأرض هي قيعان، يشبهها قسم من الناس لا خير فيه لنفسه ولا خير فيه لغيره.
نعم، في الأرض صخور قاسية ملساء، وأرض متحجرة صلدة، ورؤوس جبال مستكبرة، ورمال ذراتها قاسية مبعثرة، ينزل عليها الغيث من السماء، فيصيبها كما يصيب غيرها من الأرض، لكنها لا تمتص ماءً ولا تمسكه ولا تحفظه، ولا تنبت عشبًا ولا كلأً، فهي لا تنتفع من الماء بنفسها، ولا تمسكه لمن ينتفع به.
وكذلك نجد في الناس طائفة كهذه القيعان، يقرع أسماعها هدى الإسلام وعلومه، وتصدم عيونها أنواره، وتنزل عليها غيوثه، لكنها لا تعبأ بهديٍ منه ولا معرفة ولا ترفع بشيءٍ من ذلك رؤوسها، قسوةً في قلوبها، وكبرًا في نفوسها، وجفاءً في أخلاقها، فهي لا تقبل من الحق علمًا ولا عملًا، يحجبها عن الخير شيءٌ في نفوسها مثل الشيء الذي نجده في صخرة صماء من الأرض، أو مثل الشيء الذي نجده في أرض صلبة مستوية ينسفح عنها الماء، أو مثل الشيء الذي نجده في رمل صلب الذرات لا تماسك فيه.
وهذا القسم من الناس هو قسم الكفرة الجهلة، الذين يستكبرون عن العلم والعمل معًا، وتقسو قلوبهم، وتتحجر عقولهم، فهم لا خير عندهم لأنفسهم، ولا خير عندهم لغيرهم.
والصفات الخلقية لهذه الطائفة من الناس فيها الكبر والقسوة، وجفاف العاطفة والانكماش عن التأثر بالخير، أو تقديم النفع لأحد من الناس.