موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (13- في التحذير من الظلم ومن الشح)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (13- في التحذير من الظلم ومن الشح)
279 0

الوصف

                                                    نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية
                                                           13- في التحذير من الظلم ومن الشح

13- في التحذير من الظلم ومن الشح

روى مسلم عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم.

في هذا الحديث يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من رذيلتين من رذائل الأخلاق، هما الظلم والشح، ويبين عاقبة الظلم الوخيمة، ويكشف آثار الشح الضارة في المجتمع الإنساني، فالشح أهلك في التاريخ الإنساني أممًا، حملهم على سفك الدماء واستحلال المحارم، فأفضى بهم ذلك إلى الهلاك.

وإذ يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الظلم يذكر ما يتعرض له الظالم من عقاب شديد على ظلمه، فالظلم يوم القيامة ظلمات شديدة رهيبة، مشتملة على عذاب أليم يمس الظالم عقابًا له على ظلمه. وقد أطلق الرسول الظلم ولم يحدد نوعًا من أنواعه، ليشمل أنواع الظلم كلها، الظلم في المال، وفي الأنفس، وفي الأعراض، وفي الحكم والقضاء، وفي العقائد وفي اتباع الظن، إلى سائر أنواع الظلم.

والظلمات يوم القيامة مقرونة بالعذاب، فقد ثبت في القرآن أن المنافقين والمنافقات يحرمون من النور يوم القيامة، فيسعون وراء المؤمنين يقولون لهم: انتظرونا نقتبس من نوركم، فيقال لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا، ويضرب بين الفريقين بسور له باب، باطنه فيه الرحمة التي يسعد بها المؤمنون، وظاهره من قبله العذاب الذي يشقى به المنافقون، قال الله تعالى في سورة (الحديد 57):

(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13))

ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا: أي ارجعوا إلى أعمالكم التي عملتموها في ماضي حياتكم في الدار الدنيا فالتمسوا نوركم منها إن كان لكم فيها عمل صالح. ولكن أنّى لهم ذلك، إنهم لم يعملوا إلا ما يضاعف لهم الظلمات، وعندئذ يضرب بينهم وبين المؤمنين الذين دخلوا الجنة بسورٍ له باب، باطن هذا السور من جهة الجنة فيه الرحمة، وظاهره حيث تتكاثف الظلمات من قبله العذاب.

وإذ يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الشح يبين أنه أهلك أممًا سابقة، إذ حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم.

فالشح يفضي إلى مخاطر وأضرار يعرض الأمة التي يشيع فيها ويستولي على أفرادها للهلاك، وهذه الحقيقة مؤيدة بالوقائع التاريخية في الأمم السالفة.

والسبب في ذلك أن الشح يرافقه طمع الشحيح، ورغبته بالاستزادة، ويرافقه هضم الحقوق المالية ومنعها مستحقيها، ومع هذين الأمرين الخبيثين توجد توترات اجتماعية خطيرة قائمة على الحقد والحسد والرغبة بالانتقام، وفي مقابلها كبر وأنانية ورغبة بالأثرة والاستعلاء وحب التسلط.

ويوجد مع الشح الزائد عند الواجدين ضرورات حياتية عند المحرومين، تدفع بهم إلى ارتكاب جرائم السرقة والسلب والنهب والقتل.

وهذه مناخات ملائمة لسفك الدماء واستحلال المحارم فيكثر القتل وينتشر الزنى.

وأمة تنتشر فيها هذه الجرائم بنسبة واسعة لا بد أن ينتهي الأمر بها إلى الهلاك. وهكذا تنكشف طائفة من حلقات السلسلة السببية التي تبدأ بالشح وتنتهي بالهلاك.