موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (12- في حمد الله والرضى عنه وما يقترن بهما من ظواهر خلقية)
الوصف
نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية
12- في حمد الله والرضى عنه وما يقترن بهما من ظواهر خلقية
12- في حمد الله والرضى عنه وما يقترن بهما من ظواهر خلقية
روى مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها.
فمن جلائل فضائل خلق المسلم أن يكون كثير الحمد لله، في أحواله كلها، إذا أكل حمد الله، وإذا شرب حمد الله، وإذا قضيت له حاجة حمد الله، وإذا ربح في تجارته حمد الله، وإذا سلم من مكروه حمد الله، وإذا تعلم مسألة من العلم حمد الله وهكذا في أمره كله، حتى فيما يكره من الأمور؛ لأنه لا يعلم أين يكون الخير، هل هو فيما يحب أو فيما يكره.
والله تعالى ليرضى عن عبده إذا كان كثير الحمد له؛ لأن العبد يبرهن بحمده لربه على أنه ذو خلق كريم، يعترف للمنعم بنعمه فيحمده عليها، وللمحسن بإحسانه فيثني عليه به.
إن حمد المنعم على نعمه مظهر من مظاهر مكارم الأخلاق، وهو يرجع إلى حب الحق وإيثاره والاعتراف به، ومقابلة الجميل بالثناء عليه.
والحمد لله في الأحوال كلها أثر من آثار رضى القلب عن الله، ورضى القلب عنصر من عناصر السعادة. فالحماد في سائر أحواله سعيد في حياته، والسعادة أجل نعمة في الحياة يسعى إليها العقلاء، ولكنهم كثيرًا ما يجهلون طريقها، ويخطئون في طلبها من غير أسبابها ووسائلها، فيقعون في متاهات كثيرات، وتخونهم الأماني فلا يجدون ما ينشدون، ويتكشف لهم بعد التجربة أنهم كانوا يطلبون الشراب من السراب، ويرجون الأمن من متن العباب، ويبدو لهم بعد فوات الأوان، أنهم كانوا يحرثون في الماء، ويبذرون في الهواء.
كم تصور ناس سعادتهم في المال فلما جاءهم المال لم يكن سبب سعادتهم، بل ربما كان سبب شقائهم.
وكم تصور ناس سعادتهم في البنين والذرية فلما جاءهم ما يرجون من ذلك لم يكن سبب سعادتهم، بل ربما كان سبب شقائهم وسبب تعاستهم.
وكم تصور ناس سعادتهم في الجاه والمجد الدنيوي، فلما ظفروا من ذلك بما يرجون لم يكن سبب سعادتهم، بل ربما كان سبب متاعبهم الكثيرة وسبب شقاء لهم وتعاسة، حتى إنهم ليحسدون آحاد الناس ممن لا جاه لهم ولا مجد على ما يتمتعون به من سعادة وهناءة عيش، ورضى قلب وطمأنينة نفس.
وكم تصور ناس سعادتهم في الحصول على لذات الجسد ومتعه، فلما نالوا من ذلك نهمتهم لم يجدوا أن سعادتهم قد تحققت، بل ربما كانت هذه المتع التي سعوا إليها سبب آلام كثيرات حلت في أنفسهم أو أجسادهم.
لكن حمد الله في الأحوال كلها ورضى النفس عن الله من العناصر التي تمنح الأنفس سعادتها لا محالة.
فالعاقل هو الذي يستطيع أن يتكيف مع الأحوال التي تكتنفه، وأن يكون راضي القلب والنفس بها، حامدًا الله عليها، ساعيًا في التحسين ودفع ما يكره ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فإن لم يستطع تقبل الواقع بنفس هنية رضية، وسأل الله في ذلك الرضى والأجر وحسن المثوبة.
وتدريب النفس على حمد الله في كل الأحوال من شأنه أن يحلي الإنسان بعدة فضائل خلقية، منها خلق الصبر، وعدم التضجر، ومنها حسن مواجهة الناس بطلاقة وجهٍ، وسماحة نفس، ومنها البعد عن كل نكد وتذمر وضيق صدر، ومنها معاملة الناس بالإغضاء عن السيئات والهفوات، ومعاملتهم بالعفو والإحسان، إلى غير ذلك من أخلاق كثيرة، فهي جميعها من ثمرات تأصيل خلق الحمد لله في نفس المؤمن، ولذلك علمنا الإسلام أن نحمد الله على كل ما يجري لنا من خير، وأن نحمده على كل ما يصيبنا من مكروه؛ لأن المكروه لأنفسنا ربما كان هو الخير لنا، والله يعلم حقائق الأمور، في حين أننا كثيرًا ما نجهلها.
ومن صفات المؤمنين أنهم حامدون لله. قال الله تعالى في وصفهم في سورة (التوبة 9):
(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112))
فالمؤمنون من صفاتهم أنهم تائبون، أي يرجعون إلى ربهم بالطاعة، كلما ابتعدوا عنه بالمعصية، ويرجعون إليه بالاستغفار والندم على ما فرطوا في جنب الله.
ومن صفاتهم أنهم عابدون لله خاضعون له، غير متمردين على أوامره ونواهيه، وغير مستكبرين عن عبادته.
ومن صفاتهم أنهم حامدون.
ومن صفاتهم أنهم سائحون، أي يصومون طاعة لله، وأنهم مصلون راكعون ساجدون.
ومن صفاتهم أنهم حراس المجتمع المسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن صفاتهم أنهم حافظون لحدود الله فلا يتجاوزونها ولا يقعون فيها، بل يلتزمون ما أمرهم بالتزامه، وهؤلاء لهم البشرى من الله.