موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (11- في صدق التوكل على الله)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (11- في صدق التوكل على الله)
229 0

الوصف

                                                     نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية

                                                         11- في صدق التوكل على الله

11- في صدق التوكل على الله

عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا.

أي تذهب في أول النهار ضامرة البطون فارغتها، وتروح في آخر النهار ممتلئة البطون من الشبع.

هذا الحديث يؤكد العقيدة الإيمانية في قضية الرزق، ويوجه المؤمن إلى صدق التوكل على الله، حتى تكون مساعيه في اكتساب الرزق متسمة بخلق الثقة بالمقادير الربانية، وبالوعد الرباني الذي ضمن الله فيه لعباده أرزاقهم، وكلفهم السعي لتحصيل ما قسم لهم، فما تموت نفس حتى تستوفي ما قدر لها من رزق.

وهذه العقيدة الإيمانية قد تولى القرآن الكريم بيانها في مواضع كثيرة وفي مناسبات مختلفة، حتى يطمئن الناس على أرزاقهم، فلا يقلقوا من أجلها، ولا تكون سبب بخلهم أو جبنهم أو تتبعهم طرق الكسب الحرام.

ومن النصوص المقررة لهذه الحقيقة الإيمانية قول الله تعالى في سورة (الذاريات 51):

(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23))

فقد أقسم الله مؤكدًا على أن قضية الرزق قضية مضمونة في السماء (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ)

وهذا الضمان حق ظاهر، وهو قريب من متناول الإنسان، وواقع في ملكه مثلما يملك الإنسان نطقه (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)

ومن النصوص المقررة لهذه الحقيقة، قول الله تعالى في سورة (هود 11):

(وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (6))

فهذا النص يقرر ويؤكد أن رزق كل دابة في الأرض إنما هو على الله، وهو سبحانه ضامن لهذا الرزق.

وقول الله تعالى في سورة (العنكبوت 29):

(وَكَأَيِّن مِّنْ دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60))

ولكن الرزق قد يأتي الإنسان من حيث يحتسبه، أي من الجهة التي يدخلها في حسابه، وقد يأتيه من حيث لا يحتسب، ولكن الذين يتقون الله يميزهم بأنه سبحانه يرزقهم من حيث لا يحتسبون، ودليل هذا قول الله تعالى في سورة (الطلاق 65):

(وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3))

لكن الرزق المضمون لا يشترط أن يكون متساويًا بين أفراد المرزوقين، بل التفاوت والتفضيل بين الأفراد هو السنة الثابتة في قضية الرزق، ويدل عليه نصوص كثيرة، منها قول الله تعالى في سورة (النحل 16):

(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ (71))

أما التفضيل فله حكم ربانية كثيرة، منها امتحان الناس بعضهم ببعض، ومنها امتحان الغني هل يشكر أم يكفر، وامتحان الفقير هل يصبر أم يضجر.

هذه قضية الرزق وما يتعلق بها من مفاهيم إيمانية، ومن واجب المؤمن الخلقي في علاقته بربه خالقه ورازقه أن يؤمن به، وبكل صفات الكمال التي له، وبكل ما أخبر به، وإلا كان مدنسًا بقذارة الجحود والكنود، وبخساسة نكران الحق ونكران الجميل، وبخساسة التكذيب بالحق.

فمن حق من ضمن الرزق لعبده ضمانًا قطعيًّا وهو يعلم أنه لا يخلف وعده، أن يصدقه وأن يسعى في اكتساب رزقه الذي قدره له كما أمر، وحين يسعى في اكتساب رزقه كما أمره لا يعلق قلبه بالأسباب التي يباشرها، بل بمسبب الأسباب الذي ربط النتائج بها.

وهذا سلوك أخلاقي واجب؛ لأن تأدية الحقوق الواجبة مما تفرضه مكارم الأخلاق.

فتعليق القلب بالخالق مسبب الأسباب مع مباشرة الأسباب التي أمر بها هو التوكل الحقيقي على الله، وهو التوكل الحقيقي المطلوب في الإسلام، وهو ظاهرة إيمانية، وظاهرة خلقية.