موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(8- عطاء العلم والدعاء بظهر الغيب)
الوصف
حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية
8- عطاء العلم والدعاء بظهر الغيب
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل السابع: حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية >>
9- عطاء العلم والدعاء بظهر الغيب
1- من الناس فضلاء معطاؤون يحبون أن يعطوا كل ما لديهم من معارف ونصائح وعلوم، ومن الناس بخلاء يبخلون حتى بنشر ما لديهم من معارف وعلوم ونصائح، ولو كان ذلك يزيد ثروتهم العلمية ويحفظها.
وقد أشاد الرسول صلى الله عليه وسلم بالجود في نشر العلم، وذم كاتمي العلم الذي يجب نشره، وأبان بأنهم يعاقبون يوم القيامة بأن يلجموا بلجام من نار.
روى البيهقي في شعب الإيمان عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هل تدرون من أجود جودًا؟.
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال:
الله تعالى أجود جودًا، ثم أنا أجود بني آدم، وأجودهم من بعدي رجلٌ علم علمًا فنشره، يأتي يوم القيامة أميرًا وحده
أو قال:
أمة واحدةً.
وروى أبو داود والترمذي -وقال: حديث حسن- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار.
إن هذا اللجام جزاء من جنس العمل، فالذي يكتم العلم الذي يجب نشره وإبلاغه إلى أهله، يعاقب يوم القيامة بسجن لسانه بعذاب من نار.
وأقبح من كاتم العلم من يضلل بإعطاء معلومات كاذبة، أو بتقديم مشورة غير راشدة، وهو يعلم ذلك من نفسه، فهو بخيل وخائن.
روى الدارمي وأبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه.
2- ومن العطاء المحمود دعاء الأخ لأخيه، وشفاعة الأخ لأخيه بين يدي الله.
ولذلك علمنا الإسلام أن ندعو لإخواننا المؤمنين، وأن نكون شفعاء لهم بين يدي الله، لا سيما في ظهر الغيب، ومن هذا القبيل الصلاة على موتى المسلمين، فهي دعاء لهم وشفاعة، وهذا من العطاء المتبادل الذي يكون بين المؤمنين، والتقصير في هذا من البخل، ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه؛ لأن الملائكة تقول عند دعاء الأخ لأخيه: ولك مثل ذلك، فينال دعاءً مثل دعائه على لسان الملائكة المكرمين الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من هذا القبيل، فهي عطاء له على سبيل الوفاء له، مقابل ما قدمه صلوات الله عليه لأمته وللعالمين أجمعين من هداية وإخلاص ودعاء، وما سيقدمه يوم القيامة من شفاعة.
والبخيل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إنما يبخل على نفسه؛ لأن من صلى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مرة صلى الله عليه بها عشرًا، مكافأة له، وقد أمرنا الله بأن نصلي عليه، وأخبرنا بأنه يصلي على النبي هو وملائكته، فقال تعالى في سورة (الأحزاب 33):
(إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56))
وقد جاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم قوله:
البخيل من إذا ذكرت عنده فلم يصل علي.
أخرجه الترمذي والنسائي عن الحسين وعن علي رضي الله عنهما.
والصلاة من الناس هي الدعاء بالرحمة، والصلاة من الملائكة دعاءٌ واستغفار، والصلاة من الله إفاضة فيوض من رحمته جل وعلا.
وقد دل على أن الملائكة تدعو للذين يدعون لإخوانهم بمثل ما دعوا به لهم، ما رواه مسلم عن أبي الدرداء، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
ما من عبد مسلمٍ يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك مثل ذلك.
وعن أبي الدرداء أيضًا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين. ولك مثل ذلك.
أما الأعرابي الذي قال: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا، فقد حجر واسعًا، وشح برحمة الله، وأعرب عن جهله الكبير بفضل الله العظيم وعطائه الجسيم، ولذلك بين الرسول صلى الله عليه وسلم ضلال هذا الأعرابي في مقالته هذه، مشيرًا بذلك إلى أن من بالغ الجهل حجر فضل الله، فهو إذا لم تسمح نفسه بأن يجود بدعوة عامة لكل المسلمين، فليسكت. وقصة هذا الأعرابي جاءت فيما رواه أبو داود عن جندب قال:
جاء أعرابي، فأناخ راحلته، ثم عقلها، ثم دخل المسجد فصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سلم أتى راحلته فأطلقها، ثم ركب، ثم نادى: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا تشرك في رحمتنا أحدًا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أتقولون: هو أضل أم بعيره؟ ألم تسمعوا إلى ما قال؟.
قالوا: بلى.