موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(6- الصدقة ومفاهيمها وفضلها)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(6- الصدقة ومفاهيمها وفضلها)
247 0

الوصف

                                                   حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية

                                                    6- الصدقة ومفاهيمها وفضلها
        الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل السابع: حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية >>

7- الصدقة ومفاهيمها وفضلها

الصدقة في المفهوم الإسلامي لا تنحصر بعطاء المال، وإطعام الطعام، وكسوة الثياب، وتقديم الدواء والمسكن، ونحو ذلك، بل هي أعم وأشمل، فكل معروف صدقة.

روى البخاري ومسلم عن جابر وحذيفة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

كل معروف صدقة.

وبهذا المفهوم الموسع يستطيع الفقراء أن يجدوا مجالات كثيرة يصنعون بها المعروف للناس، ابتغاء مرضاة الله، فيكسبون بذلك صدقات ينافسون فيها باذلي أموالهم من الأغنياء.

وروى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

على كل مسلم صدقة.

قالوا: فإن لم يجد؟

قال:

فليعمل بيديه، فينفع نفسه ويتصدق.

قالوا: فإن لم يستطع، أو لم يفعل؟

قال:

فيعين ذا الحاجة الملهوف.

قالوا: فإن لم يفعله؟

قال:

فيأمر بالخير.

قالوا: فإن لم يفعله؟

قال:

فيمسك عن الشر فإنه له صدقة.

وروى البخاري وملسم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: يعدل بين اثنين صدقة، ويعين الرجل في دابته فيحمله عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة.

كل سلامى: السلامى هي كل عظم بين مفصلين.

وجاء في حديث آخر تحديد عدد المفاصل التي خلق عليها ابن آدم، والحث على اكتساب أفعال الخير في كل منها، روى مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعزل حجرًا عن طريق الناس أو شوكة أو عظمًا، أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر، عدد تلك الستين والثلاثمائة، فإنه يمشي يومئذٍ، وقد زحزح نفسه عن النار.

وروى الإمام مسلم عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة.

قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟!

قال:

أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.

ففي هذا تعميم جديد لمفهوم الصدقة أدخل الرسول صلى الله عليه وسلم فيه التكبير والتحميد والتهليل.

ولقد يبدو ظاهرًا أن يكون بذل الجهد للآخرين من الصدقات، فبذل الجهد على سبيل المعونة بغية مسرة صاحب الحاجة مثل مواساته بالمال. وبذل الجهد لإماطة الأذى عن الطريق معونةٌ عامة ينتفع منها كل سالك فيه، وبذل الجهد لفعل خير عام هو أيضًا معونة عامة تدخل في مفهوم الصدقات بلا إشكال.

ولكن كيف يدخل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير في مفهوم الصدقة؟

ونلاحظ في الإجابة على هذا أن الإسلام قد جعل من الصدقات صدقة الإنسان على نفسه، فمن لم يجد ما يتصدق به على الآخرين، فليعمل عملًا يبذل فيه جهدًا يبتغي به مرضاة الله تعالى، فإنه يتصدق بذلك على نفسه، وهذا من واسع جود الله وكرمه ورحمته.

وبهذا المعنى الموسع للصدقات يدخل في مفهومها كل عطاء أو بذل جهد تستفيد منه البهائم وسائر الحيوانات، وقد جاء هذا مصرحًا به في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

روى البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة، إلا كانت له صدقة.

وفي رواية لمسلم عن جابر:

وما سرق منه له صدقة.

فلنعجب لهذا الدفع الحضاري البناء، الذي يشجع الإسلام عليه، ويجعل كل ثمرة من ثمراته، وكل غرم في سبيله صدقة من الصدقات.

وقد جاء تأكيد هذا المفهوم العام للصدقة في أقوال نبوية كثيرة:

منها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر قال:

قلت: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟

قال:

الإيمان بالله والجهاد في سبيله.

قلت: أي الرقاب أفضل؟

قال:

أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنًا.

قلت: فإن لم أفعل؟

قال:

تعين صانعًا أو تصنع لأخرق.

قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟

قال:

تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك.

ومنها ما رواه مسلم عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت من محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت من مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن.

فإذا كانت إماطة الأذى عن الطريق من الصدقات ومن محاسن الأعمال، فإن تقذير المساجد بالنخاعة وهي النخامة التي يقذفها مخطئ لا ذوق عنده ولا رعاية عنده لآداب الإسلام خطيئة، ومن مساوئ الأعمال.

ومنها ما رواه مسلم عن أبي ذر أيضًا، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق.

فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم طلاقة المرء وجهه لأخيه من عمل المعروف، وذلك لأن في طلاقة الوجه عطاءً كريمًا يسر به من يلقاه، وقد سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:

كل معروف صدقة.

ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

بينما رجلٌ يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا، فنزل فيها، فشرب ثم خرج، فإذا كلبٌ يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر، فملأ خفه ماءً، ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له.

قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرًا؟

فقال:

في كل كبد رطبة أجر.

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أيضًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

غفر لأمراةٍ مومسةٍ مرت بكلبٍ على رأس ركية (أي: بئر) يلهث، كاد يقتله العطش، فنزعت خفها فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فغفر لها بذلك.

قيل: إن لنا في البهائم أجرًا؟

قال:

في كل ذات كبد رطبة أجر.

ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

مر رجلٌ بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: لأنحين هذا عن طريق المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة.

وفي رواية لمسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين.

ومنها ما رواه مسلم عن أبي برزة قال: قلت: يا نبي الله علمني شيئًا أنتفع به، قال:

اعزل الأذى عن طريق المسلمين.

بهذا يستطيع الفقراء أن يسابقوا في ميادين الصدقات مسابقة عظيمة، ما دامت كل هذه الأبواب مفتحة لهم، حتى كف الأذى عن الناس، وهو من الأعمال السلبية، وحتى غشيان المباحات من المتع واللذات، لكف النفس وإعفافها عن الحرمات، فهو من صدقة المسلم عن نفسه.

* ولكن لاعتبار أي عمل منها داخلًا في الصدقات المأجورة عند الله شرطان:

الأول:
كون صاحب العمل مسلمًا مؤمنًا، أما غير المسلم المؤمن فإن أعماله الحسنة في الدنيا لا يثاب عليها عند الله يوم القيامة؛ لأنه لم يؤمن بالله ولم يسلم له حتى يطلب ثوابه منه، ولكن ينال مكافأة عمله في الدنيا وفق سنة الله في خلقه.

الثاني:
ابتغاء مرضاة الله في العمل، فإن لم يفعل ابتغاء مرضاة الله لم يسجل له عمله في الحساب الخاص بالأعمال التي يثاب عليها، ويكفي في ابتغاء مرضاة الله النية المستمرة لدى كل مسلم مؤمن، دون وجود صارف يصرف عنها إلى مطلب من مطالب الحياة الدنيا، وعرض من أعراضها، كالمدح، والشهرة، وتحصيل مال أو جاه أو نحو ذلك.