موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(5- في فضل الإنفاق على الأهل والعيال والأقربين والدابة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(5- في فضل الإنفاق على الأهل والعيال والأقربين والدابة)
115 0

الوصف

                                                    حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية

                                                 5- في فضل الإنفاق على الأهل والعيال والأقربين والدابة
     الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل السابع: حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية >>

5- في فضل الإنفاق على الأهل والعيال والأقربين والدابة:

1- روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال: "كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء،  بيرحاء: اسم حديقة في المدينة كانت لأبي طلحة، فيها نخل.   وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب". فلما نزلت هذه الآية:

(لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (92))  آل عمران: 92.  

قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تعالى يقول: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وإن أحب مالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله تعالى، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

بخٍ ذلك مالٌ رابح، ذلك مالٌ رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين.

فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه".

فقد أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل صدقته في الأقربين، فقسمها في أقاربه وبني عمه، فدل هذا الإرشاد على أن بذل المال وأنواع الصدقات لأقارب الباذل أفضل من البذل لغيرهم، ما دام في أقارب الباذل محاويج، وذلك لأن البذل في الأقارب هو من جهة صدقة، وهو من جهة أخرى صلة رحم. وعمل فيه فضيلتان أعظم من عمل فيه فضيلة واحدة منهما، وهذا المعنى أبانه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر.

2- وروى مسلم عن ثوبان بن بجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله.

3- وروى البخاري ومسلم عن أبي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة.

يحتسبها: أي يحتسب أجر نفقته عند الله تعالى.

4- وروى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له فيما قال يوم جاءه يعوده من وجع اشتد به:

وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك

أي في فم امرأتك.

5- وروى البخاري ومسلم عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله، هل لي أجرٌ في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بني؟ فقال:

نعم لك أجر ما أنفقت عليهم.

6- وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينارٌ أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك.

7- وروى أبو داود بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت.

وعند مسلم:

كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته.

في جملة هذه الأحاديث يربي الرسول صلى الله عليه وسلم في المسلمين خلق حب العطاء، فيحثهم على الإنفاق وابتغاء مرضاة الله فيه، سواء أكان إنفاقًا على الأهل والعيال والأقربين، أو إنفاقًا على الدابة، أو إنفاقًا على الأصحاب والإخوان، أو إنفاقًا في الصدقة، أو في أي وجه من وجوه الخير.

إن المال لا تظهر فائدته إلا بالإنفاق في المصالح النافعة، أما كنزه وجمعه وعده فهو قتل له، وحرمانٌ لثمراته من أن تظهر، ولخيراته من أن تزهر، ولطاقاته من أن تتحرك وتنتج. والممسكون معطلون ومتلفون ومحرومون، وجماعون لغيرهم، للص ماكر، أو صائل مغامر، أو سلطان جائر، أو وارث غير شاكر يتربص بمورثه الدوائر.

وقد أبان الرسول صلى الله عليه وسلم أن أفضل الإنفاق ما كان إنفاقًا على العيال؛ لأن النفقة على العيال من قبيل النفقة الواجبة، وهذه النفقة عليهم تسد حاجتهم وتعفهم عن المسألة، وتقطع أنظارهم عن التطلع إلى ما في أيدي الناس وما في بيوتهم وما على موائدهم.

وأبان الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأجر على الإنفاق ليس خاصًا في الإنفاق على الفقراء والمساكين وذوي الحاجات والجهاد في سبيل الله ونحو ذلك، بل هو عام في كل إنفاق يبتغى به وجه الله تعالى حتى ما يضعه الرجل في فم امرأته. ولكن اغتنام الأجر رهن باحتسابه عند الله تعالى، أي بابتغاء مرضاته فيه، وطلب ثوابه عز وجل، وهذه القاعدة أصل عامٌ يشمل كل عمل من أعمال الخير، فاغتنام الأجر عليه رهن بأن يكون ابتغاء مرضاة الله تعالى.

فما أعظم نعمة الله على المسلم، إن أي عمل يعمله متقيدًا فيه بحدود ما أذن الله فيقصد به مرضاة الله جل وعلا، يكون له به أجر وثواب عظيم على مقدار صلاح نيته، مع ما يكون له في العمل من لذة ومتعة ومصلحة دنيوية.

وكما أن الإنفاق على العيال من أفضل أنواع الإنفاق، فالإمساك عنهم وتضييعهم من أكبر الإثم لما لهم من حقوق مفروضة عليه.