موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(2- المجالات التي يشملها مفهوم العطاء)
الوصف
حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية
2- المجالات التي يشملها مفهوم العطاء
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل السابع: حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية >>
2- المجالات التي يشملها مفهوم العطاء
وتتنوع المجالات التي يشملها العطاء:
1- فمنها العطاء من المال من كل ما يمتلك الإنسان من أشياء ينتفع بها، كالذهب والفضة، والخيل، والأنعام، والحرث، وكل مأكول، أو مشروب، أو ملبوس، أو مركوب، أو مسكون، أو يؤوى إليه، وكل آلة أو سبب أو وسيلة ينتفع بها، وكل ما يتداوى به أو يقي ضرًا أو يدفع بأسًا، إلى غير ذلك من أشياء يصعب إحصاؤها.
وفي هذا المجال معطاؤون، وفيه بخلاء وشحيحون.
2- ومنها العطاء من العلم والمعرفة. وفي هذا المجال من يحبون العطاء، وفيه بخلاء ممسكون ضنينون.
والمعطاء في هذا المجال هو الذي لا يدخر عنده علمًا ولا معرفة عمن يحسن الانتفاع بذلك، والبخيل هو الذي يحتفظ بمعارفه وعلومه لنفسه، فلا ينفق منها لمستحقيها، ضنًا بها ورغبة بالاستئثار.
وبعض البخلاء بعطاء العلم إذا بذلوا منه شيئًا فإنما يبذلون منه بقدر، كأنهم يخشون النفاد مع أن المعارف والعلوم تربو بالعطاء فهي تزيد ولا تنقص؛ إلا أن دافع البخل في نفوسهم يجعلهم يضنون حتى في الأمور التي تزيد ولا تنقص، فسوابق أوهام نفوسهم التي سيطر عليها أن العطاء ينقص من الأشياء التي يمتلكونها، هي التي جعلت نفوسهم تكز عن عطاء العلم وتبخل به، دون أن تنير أجواء نفوسهم المظلمة بصيرة واعية، أو تخفف من غلواء أنانيتهم الضيقة أخلاق كريمة فاضلة.
ولما كان رسول الله صلوات الله عليه كامل الخلق، ومن كمال خلقه أنه جواد بعطاء ما يختصه الله به من معارف غيبية لم يأمره بكتمها، وصفه الله بخلق الجود في هذا المجال، فقال تعالى في سورة (التكوير 81) متحدثًا عن القرآن وعن جبريل ثم عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24))
ففي وصف الله لرسوله بأنه ليس بضنين على الغيب -أي: ليس بشحيح ولا بخيل بعطاء المعارف والعلوم الغيبية التي يصطفيه الله بها- إثبات لصفة جوده صلوات الله عليه بعطاء العلم الذي يملك معرفته، ويسمح له ببذله.
3- ومنها عطاء النصيحة، فالإنسان الجواد كريم النفس لا يبخل على أخيه الإنسان بأي نصيحة تنفعه في دينه أو دنياه، بل يعطيه نصحه الذي ينفعه مبتغيًا به وجه الله تعالى.
وقد ارتقى مفهوم النصيحة عند الرسول صلى الله عليه وسلم حتى كان مساويًا للدين كله، ولذلك عرف الرسول صلى الله عليه وسلم الدين بأنه النصيحة، فقال:
الدين النصيحة.
ولذلك كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أول الأركان الأساسية، التي تقوم عليها الدعوة إلى الله، وحماية المجتمع المسلم من الانحراف، وظاهر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من النصيحة، وهو عطاء فيه تضحية، إذ قد يعرض صاحبه لما يكره من قبل الناس.
4- ومنها العطاء من النفس، فالجواد يعطي من جاهه، ويعطي من عطفه وحنانه، ويعطي من حلو كلامه وابتسامته وطلاقة وجهه، ويعطي من وقته وراحته، ويعطي من سمعه وإصغائه، ويعطي من حبه ورحمته، ويعطي من دعائه وشفاعته.. وهكذا إلى سائر صور العطاء من النفس.
والبخيل يبخل بأي شيء من ذلك.
5- ومنها العطاء من طاقات الجسد وقواه، فالجواد يعطي من معونته، ويعطي من خدماته، ويعطي من جهده، فيعين الرجل في دابته فيحمله عليها أو يحمل له عليها، ويميط الأذى عن طريق الناس وعن المرافق العامة، ويأخذ بيد العاجز حتى يجتاز به إلى مكان سلامته، ويمشي في مصالح الناس، ويتعب في مساعدتهم، ويسهر من أجل معونتهم، ومن أجل خدمتهم، وهكذا إلى سائر صور العطاء من الجسد.
والبخيل يبخل بأي شيء من ذلك.
6- ويرتقي العطاء حتى يصل إلى مستوى التضحية بالحياة كلها: فالمجاهد المقاتل في سبيل الله يجود بحياته لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، ابتغاء مرضاة ربه. والذي يؤثر أخاه بشربة الماء، وهو على وشك الهلاك، لينقذ أخاه من الموت، يضحي ويجود بحياته من أجل غيره.
وهكذا تتنوع مجالات العطاء من المال، ومن العلم، ومن النصيحة، ومن النفس، ومن طاقات الجسد وقواه، ومن الروح والحياة.