موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(1 - حب العطاء من الأسس الأخلاقية العامة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية(1 - حب العطاء من الأسس الأخلاقية العامة)
219 0

الوصف

                                                    حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية

                                                   1 - حب العطاء من الأسس الأخلاقية العامة
    الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل السابع: حب العطاء وفروعه وظواهره السلوكية >>

من الأسس العامة التي ترجع إليها مجموعة من الفروع والظواهر والمفردات الخلقية المحمودة، خلق حب العطاء. ولهذا الخلق آثار اجتماعية كريمة عظيمة، وهو عنصر من عناصر علو الفطرة وسمو الطبع، وارتقاء الإنسانية، ورجاحة العقل.

ويأتي في مقابل هذا الأساس ضيق النفس، وشعورها بالأنانية المفرطة، التي ينجم عنها البخل، والشح، وكراهية العطاء، والرغبة بالاستئثار بكل شيء، والرغبة بالتسلط على كل شيء، وقبض النفس واليد عن البذل والإنفاق على الغير، من مالٍ، أو جاه، أو علم، أو غير ذلك. ولهذا الخلق المقابل آثار اجتماعية سيئة جدًّا، وهو عنصر من عناصر هبوط الفطرة، ودناءة الطبع، ونقص الإنسانية، والحرمان من رجاحة العقل.

العطاء الأسمى من صفات الله:

إن أعظم درجات العطاء الذي لا حدود له، والذي لا يكون ابتغاء عوض هو من صفات الخالق جل وعلا، ومن أخلاقه سبحانه. ولذلك جاء في أسماء الله الحسنى: الوهاب، والرزاق، والكريم.

وعطاء الله سبحانه وتعالى فيض لا ينقطع ولا ينتهي، وهو في كل الأحوال مرتبط بعلمه وحكمته، فهو يعطي خلقه وفق مشيئته التي تقتضيها حكمته، دون أن يكون له غاية من عطائه سبحانه أي عوض يرجوه من خلقه، وأما عبادة عباده له فهي لخيرهم وسعادتهم، ولترقية أرواحهم وتزكية نفوسهم.

ولذلك فإن الله تبارك وتعالى يمدّ بعطائه في الدنيا أهل طاعته، وأهل معصيته، حتى الكافرين به والجاحدين له.

قال الله تعالى في سورة (الإسراء 17):

(مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20))

فهذا النص يفسر الظاهرة المشهودة في دنيا الناس، فيبين أن الله تبارك وتعالى يمد عباده بالعطاء غير المحظور، أي: الذي لا تستطيع منعه قوة غير قوة الله. فهو يمد أهل الدنيا الذين يريدون العاجلة، ولكن ما لهم في الآخرة من نصيب، بل لهم فيها العذاب جزاء كفرهم وعصيانهم. ويمد بعطائه طلاب الآخرة، ويدخر لهم العطاء الآجل الأعظم إلى يوم القيامة، فيمنحهم بذلك عطاء الدنيا وعطاء الآخرة، فضلًا منه وكرمًا.

أما عطاء الدنيا فمشمول بقانون الابتلاء، الذي يخضع له المؤمنون والكافرون على سواء.

وأما عطاء الآخرة فهو عطاء الفضل العظيم، الذي يحرم من يحرم منه ضمن قانون الجزاء، قال الله تعالى في سورة (هود 11):

(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108))

غير مجذوذ: أي غير مقطوع، والجذ في اللغة القطع.

وقد زاد الله في فضله وإكرامه، فسمى هذا العطاء أجرًا، مع أنه في الحقيقة والواقع من محض فضله وجوده، فقال الله تعالى في سورة (فصلت 41):

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8))

غير ممنون: أي غير مقطوع.

ونظيره قوله تعالى في سورة (التين 95):

(لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6))

وتتساءل النفوس: لماذا لا يبسط الله الرزق لعباده في الدنيا ويوسع عطاءه لهم، بل هو ينوع لهم الأحوال فيبسط ويقدر؟

والجواب: أن حكمة الامتحان في ظروف هذه الحياة الدنيا تقتضي ذلك، إذ يمتحن الإنسان بالبسط والتوسعة، ويمتحن بالقبض والتضييق، وليس التضييق على بعض الناس أو في بعض الأحوال بخلًا ولا إمساكًا، وإنما هو مشمول بحكمة من حكم الله العظمى، إذ كيف يتم امتحان بعض الناس في المجالات التي يطلب فيها الشكر بالبذل والعطاء، ويطلب فيها تزكية النفس من داء البخل والشح؟ وكيف يتم امتحان بعضهم في المجالات التي يطلب فيها الصبر والرضى عن الله والقناعة والتسليم لله في مقاديره، وتزكية النفس من داء الحسد؟ ولو بسط الله الرزق لجميع عباده لتعطل الامتحان بالشطر الثاني.

ومن الحكم التي يشتمل عليها التنويع بين البسط والتضييق، لفت نظر الإنسان إلى أن الله هو الخالق الرزاق، فإذا أمسك رزقه لم يجد الإنسان غير الله يرزقه، فيتعظ بذلك العقلاء، فيؤمنون بالله، ويطلبون أرزاقهم منه، قال الله تعالى في سورة (الملك 67):

(أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ..... (21))

وأشار الله إلى أن له حكمًا جليلة في كل من بسطه الرزق لعباده وتضييقه، فقال تعالى في سورة (الإسراء 17):

(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَّشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30))

واستغل الخبثاء من يهود هذه الظاهرة المشمولة بالحكمة الربانية، فاتهموا الله سبحانه وتعالى بالبخل، ليبرروا لأنفسهم أقصى درجات الشح، فقالوا: يد الله مغلولة. قال الله تعالى في سورة (المائدة 5):

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ .... (64))

فإنفاقه تعالى يكون بحسب مشيئته، ومشيئته تعالى مشمولة بحكمته.

ومن حكمة الله في عدم بسطه الرزق لعباده في ظروف هذه الحياة الدنيا، ألا يكون بسط الرزق لهم سببًا في بغيهم، وقد لفت القرآن النظر إلى هذه الحكمة، فقال الله تعالى في سورة (الشورى 42):

(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27))

على أن ظروف هذه الحياة الدنيا -دار الابتلاء- لا تستحق أن يوسع الله فيها على المؤمنين به في الرزق؛ لأنه تعالى قد ادخر لهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، في نعيم مقيم خالد، سيأتي لا محالة في دار الجزاء، ولولا الخوف على المؤمنين من أن يفتتنوا وينضموا إلى صفوف الكافرين، لخص الله الكافرين -في ظروف هذه الحياة- بالرزق الواسع الكثير، ولجعل رزق المؤمنين فيها بقدر، ولكن هذا يفتن المؤمنين، فيكون الناس عندئذ أمة واحدة في الكفر، نظرًا إلى حالة الضعف البشري في الناس. قال الله تعالى في سورة (الزخرف 43):

(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَّكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35))

معارج: مصاعد يرتقون عليها.

زخرفًا: الزخرف الذهب الذي يزين به.

لما متاع الحياة الدنيا: أي إلا متاع الحياة الدنيا.

ومن حكمة الله فيما يقضيه من تفاوت بين الناس في الرزق، أن يتخذ الناس بعضهم بعضًا سخريًّا، وهو ما بينه الله في هذا النص بقوله: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)

معارج: مصاعد يرتقون عليها.

زخرفًا: الزخرف الذهب الذي يزين به.

لما متاع الحياة الدنيا: أي إلا متاع الحياة الدنيا.

ومن حكمة الله فيما يقضيه من تفاوت بين الناس في الرزق، أن يتخذ الناس بعضهم بعضًا سخريًّا، وهو ما بينه الله في هذا النص بقوله: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)