موسوعةالأخلاق الإسلامية-الصبر وفروعه وظواهره السلوكية(11- الأناة في الأعمال، من فروع خلق الصبر)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الصبر وفروعه وظواهره السلوكية(11- الأناة في الأعمال، من فروع خلق الصبر)
234 0

الوصف

                                                    الصبر وفروعه وظواهره السلوكية

                                                11- الأناة في الأعمال، من فروع خلق الصبر
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل السادس: الصبر وفروعه وظواهره السلوكية >>

11- الأناة في الأعمال، من فروع خلق الصبر

الأناة هي التصرف الحكيم بين العجلة والتباطؤ، ولا تكون الأناة في الأعمال -مع ملاحظة أن الإنسان بفطرته عجول- إلا بخلق الصبر.

فالأناة مظهر من مظاهر خلق الصبر، وهو من سمات أصحاب العقل والرزانة، بخلاف العجلة فهي من سمات أصحاب الرعونة والطيش، وهي تدل على أن صاحبها لا يملك الإرادة القوية القادرة على ضبط نفسه تجاه انفعالاتها العجولة، وبخلاف التباطؤ والتواني، فهما من سمات أصحاب الكسل والتهاون في الأمور، ويدلان على أن صاحبهما لا يملك الإرادة القوية القادرة على دفع همته للقيام بالأعمال التي تحقق له ما يرجو، أو ليس لديه همة عالية تنشد الكمال، فهو يرضى بالدنيات، إيثارًا للراحة، وكسلًا عن القيام بالواجب.

إن أناة الإنسان تسمح له بأن يحكم أموره، ويضع الأشياء في مواضعها، بخلاف العجلة فإنها تعرضه لكثير من الخطأ والإخفاق، وتعرضه للتعثر والارتباك، ثم تعرضه للتخلف من حيث يريد السبق، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. وبخلاف التباطؤ فهو أيضًا يعرضه للتخلف والحرمان من تحقق النتائج التي يرجوها.

فالأناة هي المواءمة في مقدار السرعة بين حركة العمل وما يتطلبه الأمر المقصود بالعمل منها، فما يتطلب من الأمور عملًا سريعًا فالحكمة السرعة إذن، وهي لا تخرج عن الأناة، فالقضية نسبية، وما يتطلب من الأمور عملًا بطيئًا فالحكمة البطء إذن، وهو لا يخرج عن الأناة؛ لأن القضية نسبية، وما من مقدار من السرعة قل أو كثر إلا وفوقه أسرع منه وتحته أبطأ منه، ولكل أمر يراد تحقيقه مقدار ما من السرعة في العمل خاضع لسنن الله في كونه، إذ جعل الله لكل شيء قدرًا. فلتكون الجنين سرعة محددة، ولاستنبات الزروع والثمار سرعات تلائم كل صنف منها، ولإنضاج العظام مقدار من الزمن يختلف عن إنضاج اللحم أو الخضروات، وهكذا إلى سائر الأمور في الكون. فمن نقص من الزمن المطلوب فهو عجول فاشل، ومن زاد على الزمن المطلوب فهو متباطئ فاشل. ومن وافق الزمن المطلوب وفق سنن الله في كونه فهو الحكيم العاقل ذو البصر والأناة.

فليس للأناة مقادير زمنية ثابتة، ولكنها تختلف باختلاف حاجة الأشياء إلى مقدار السرعة الزمنية، فهي إذن المواءمة بين مقدار السرعة في الحركة وبين الحاجة الحقيقية التي تستدعيها النتائج المطلوبة. إن الجريح المشرف على خطر الموت قد يتطلب إسعافه مقدارًا كبيرًا من السرعة، فالتخفيف منها توانٍ وتباطؤ، والزيادة عليها ربما يكون تعجلًا مفسدًا مسيئًا.

وليس من الأناة ولا الرزانة في شيء أن يفكر الإنسان طويلًا ليعرف أفضل وجه يتفادى فيه خطر صخرة هاوية في اتجاهه من الجبل، والحال أن بينها وبينه مقدار زمن يسير جدًّا، إن العقل والحكمة والرزانة في مثل هذه الحال تكون بسرعة تفادي الخطر دون طيش ولا اضطراب، وهذا من أناة النفس وحكمتها، وإن ظهر في العمل سرعة فائقة، إلا أن هذه السرعة هي الحركة الواجبة للغاية المطلوبة.

لقد ظهر لدينا أن الأشياء مرهونة بأوقاتها، والعجلة فيها مع معرفة أوقاتها المطلوبة خلق مذموم يدل على ضعف خلق الصبر، والتباطؤ فيها خلق مذموم يدل على ضعف الهمة والإخلاد إلى الراحة، والأناة هي السلوك المطلوب، وهي ليست تعجلًا ومسابقة لأوقات الأشياء، ولا تباطؤًا وكسلًا.

كلٌ من العجلة والتباطؤ يضيعان على أصحابهما الجهد، والزمن، وما بذلوه من رؤوس أموال مادية، والأناة هي الكفيلة بتحقيق المطلوب، وتفادي الخسارة، ضمن سنن الله ومقاديره.

التوجيهات الإسلامية:

والإسلام يذم الاستعجال وينهى عنه، ويذم التباطؤ وينهى عنه، ويمدح الأناة ويأمر بها، وقد عمل على تدريب المسلمين على الأناة، وعلى التريث الحكيم في القيام بالأعمال وفي تصريف الأمور، إنه يطلب من القاضي أن يتأنى ويفكر طويلًا قبل أن يصدر حكمه، ويطلب من السلطان أن يتدبر الأمور قبل تصريفها.

ويأمر الرسول صلوات الله عليه بالأناة والتؤدة والسكينة لدى القيام إلى الصلاة، وهكذا.

ومن توجيه الإسلام إلى الأناة جعله الطلاق على ثلاث مراحل.

وفيما يلي مجموعة من النصوص الإسلامية:

1- نهى الله تبارك وتعالى رسوله محمدًا صلوات الله عليه عن أن يعجل بتلاوة القرآن الذي يوحى إليه قبل أن يقضى إليه وحيه، فقال له في سورة (القيامة 75):

(لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18))

وقال له في سورة (طه 20):

(فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114))

2- وروى البخاري ومسلم عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت.

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا.

السعي: هو المشي بسرعة، وهو فوق المشي ودون الرمل.

3- وروى مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس:

إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة.

4- وروى الترمذي عن سهل بن سعد الساعدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

الأناة من الله والعجلة من الشيطان.

5- وعن أنس أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، فقال:

خذ الأمر بالتدبير، فإن رأيت في عاقبته خيرًا فأمضه، وإن خفت عيًّا فأمسك.

(رواه في شرح السنة).

6- وعن مصعب بن سعد عن أبيه، قال الأعمش: لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة.

(رواه أبو داود).

7- وعن عبد الله بن سرجس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

السمت الحسن، والتؤدة، والاقتصاد، جزء من أربع وعشرين جزءًا من النبوة.

(رواه الترمذي).