موسوعةالأخلاق الإسلامية-الصبر وفروعه وظواهره السلوكية(2- الصبر عند المصائب)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الصبر وفروعه وظواهره السلوكية(2- الصبر عند المصائب)
206 0

الوصف

                                                    الصبر وفروعه وظواهره السلوكية

                                                      2- الصبر عند المصائب
                    الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل السادس: الصبر وفروعه وظواهره السلوكية >>

2- الصبر عند المصائب وكل ما يجلب الآلام ويورث المتاعب والأكدار

لقد أرشد الإسلام إلى التحلي بفضيلة خلق الصبر عند المصائب، وعند كل ما يجب الآلام ويورث المتاعب والأكدار.

ووجه الإسلام المؤمنين إلى الرضى بقضاء الله وقدره، في كل ما ينجزه القضاء والقدر من أمره، وأبان للمؤمنين أن حكمة الابتلاء في ظروف الحياة الدنيا قد تقضي بأن يكون الابتلاء بالمكاره والمؤلمات، وأن ما يأتي به القضاء والقدر مما لا كسب للإنسان فيه ولا مسؤولية عليه به هو خير في حقيقة أمره، وإن كان ظاهره مكروهًا وموجعًا، وإن كان في عرف الناس مصيبة من المصائب. وأبان للمؤمنين أنه ما يصيبهم من حسنة فمن فضل الله وواسع رحمته وجوده، وما يصيبهم من سيئة فبسبب من أنفسهم.

ووعد الإسلام الصابرين بالأجر العظيم، والثواب الجزيل، إذا صبروا رضىً بقضاء الله، وطاعة له، وابتغاء مرضاته.

وفيما يلي شرح لطائفة من النصوص الإسلامية في ذلك:

1- يقول الله تعالى في سورة (البقرة 2):

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157))

فدل هذا النص على أن المصائب المؤلمة، في الأنفس، أو في الأجسام، أو في الأموال، أو في الثمرات، قد تكون نوعًا من الامتحان في ظروف الحياة الدنيا، لقول الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) والابتلاء هو الامتحان.

وقد أرشد هذا النص إلى التحلي بفضيلة الصبر في مجال الإصابة بالمصائب المختلفة، والتي منها مصائب الخوف، ومصائب الجوع، ومصائب النقص من الأموال، ومصائب النقص من الأنفس، ومصائب النقص من الثمرات.

وأبان النص أن من آداب الصابرين على المصائب التي تأتيهم من عند الله لابتلائهم، وامتحان إيمانهم، واختبار تسليمهم ورضاهم بما يجري به قضاء الله وقدره، أن يقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، معلنين بهذا أن كل شيءٍ هو مملوكٌ لله، وأنه إلى الله يرجع.

واشتمل النص على البشارة من الله للصابرين، إذ يقول تبارك وتعالى فيه: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ؛ وهذه البشارة قد جاءت بأمرين محبوبين عظيمين:

الأمر الأول:
أن عليهم صلوات من ربهم.

الأمر الثاني:
أن عليهم من ربهم رحمة.

وقد استحقوا البشارة بهذا الجزاء الكريم لأنهم هم المهتدون إلى سبيل سعادتهم، وهم السالكون في الطريق القويم.

إنهم لما صبروا ابتغاء مرضاة الله استحقوا أنواعًا من رحمة الله وغفرانه، ومن أجل ذلك كان عليهم صلوات من ربهم، ولما أعلنوا رضاهم عن الله، وتسليمهم لما تجري به مقاديره، بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، استحقوا نوعًا آخر خاصًا من رحمة الله، مضافًا إلى أنواع الرحمات السابقات التي استحقوها بالصبر.

ومن هذا ندرك: أن رحمة الله أنواع كثيرة، وقد أشارت الآية إلى هذه الأنواع بعطف الرحمة على الصلوات من الله، مع أن الصلوات من الله هي أيضًا رحمات منه.

2- ويقول الله تعالى في سورة (الحج 22):

(فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاَةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35))

ففي قول الله تعالى في وصف المخبتين: ( وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ) إشادةٌ بفضيلة خلق الصبر على المصائب، وقد قرنت هذه الفضيلة بفضيلة وجل القلوب عند ذكر الله، وفضيلة إقامة الصلاة، وفضيلة الإنفاق في سبيل الله.

فالمخبتون في الاصطلاح الشرعي هم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، والصابرون على ما أصابهم، والمقيمو الصلاة، والمنفقون مما رزقهم الله ابتغاء مرضاته.

وأصل الخبت في اللغة العربية: الأرض المنخفضة المطمئنة، والمخبت لربه هو المتواضع الخاشع المطمئن. وكأن هذه المعاني التي وردت في وصف المخبتين مأخوذة من الإخبات المادي، وهو اللجوء إلى الأرض المنخفضة المطمئنة، على سبيل التواضع والسكينة، ثم حمل لفظ الإخبات معنى التواضع والخشوع والطمأنينة، أو تكون هذه المعاني من لوازم المعنى اللغوي لهذه اللفظة، فمن كان مخبتًا لربه، أي: متواضعًا خاشعًا مطمئنًا، كان من صفاته أنه إذا ذكر الله وجل قلبه، وإذا ابتلاه الله بمصيبة صبر على ما ابتلاه به، ومن كان مخبتًا لربه كان لا بد أن يكون مقيمًا للصلاة المفروضة مؤديًا للزكاة، قائمًا بحق الله عليه.

المصائب مكفرات للذنوب:

حين يعلم المؤمن أن الله يمتحنه بالمصائب ليختبر مقدار صبره ورضاه عن ربه، وليكتب له الأجر العظيم عنده، فإنه يجد نفسه مدفوعًا لتحمل المصائب بصبر ورضىً عن الله.

وحين يعلم أن الله يثيبه فيكفر عنه من ذنوبه وخطاياه بالمصائب التي يصيبه بها، فإنه يزداد اندفاعه لتحمل المصائب بصبر ورضىً عن الله.

وقد أبان الرسول صلوات الله عليه ما للمصائب وإن صغرت من أثرٍ عظيم في تكفير الذنوب والخطايا، فمن ذلك ما جاء في الأحاديث التالية:

1- روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزنٍ، ولا أذىً ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه.

النصب: التعب. الوصب: المرض.


2- وروى البخاري ومسلم، عن ابن مسعود قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك  الوعك: مغث الحمى، وقيل الحمى.   فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكًا شديدًا، قال:

أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم

قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال:

أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها.

3- وروى البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من يرد الله به خيرًا يصب منه.

4- وروى الترمذي بإسناد حسن عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه، حتى يوافى به يوم القيامة.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط.

5- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة

رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

6- وروى الإمام أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسين بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها، فيحدث لذلك استرجاعًا، إلا جدد الله تبارك وتعالى له عند ذلك، فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب بها.

فقانون الصبر على المصائب والآلام التي تنزل بالمسلم يرجع إلى عنصرين:

الأول:
تكفير الخطايا والسيئات، وهذا من تعجيل العقوبة على الذنوب.

الثاني:
منح الأجر عليها، وهذا من فضل الله ورحمته بعباده المؤمنين.

ومن البديع أن التربية على الصبر والرضى عن الله في المصائب والآلام، قد جاءت بأسلوب بيان أجر المسلم على ما ينزل به من مصيبة وما يمسه من ألم، حتى الألم الذي يسترجعه تذكر المصيبة الماضية التي طال عليها العهد.

النهي عن تمني الموت تخلصًا من المصائب:

وحين يعلم المؤمن أن صبره على المصائب والآلام مكفر لسيئاته، ورافعٍ لدرجاته، ويسجل له مع كل شعور بألم أجرٌ عند الله تعالى، يناله ثوابًا عظيمًا وكرامة عنده في دار الجزاء، يرى أنه في خير عظيم وفضل جسيم من الله تعالى، ويرى أن تمنيه الموت تخلصًا من المصائب هروب من الحياة، وفرار من مسؤولية الابتلاء، وخروج من سوق تجارة رابحة أضعافًا مضاعفة، لذلك فهو لا يتمنى الموت ليتخلص من مصائبه وآلامه، ويلاحظ المؤمن أن طول أجله فرصة له ليزيد من حسناته إن كان من المحسنين، وليتوب ويصلح من حاله إن كان من المسيئين، لكل ذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا عن تمني الموت.

روى البخاري عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

لا يتمنى أحدكم الموت، إما محسنًا فلعله يزداد، وإما مسيئًا فلعله يستعتب.

يستعتب: أي يرجع عن الإساءة ويطلب الرضى بالتوبة والندم والاستغفار والعمل الصالح.

أي فهو أحد رجلين:

إما أن يكون محسنًا، وفي هذه الحالة يرجو بطول الأجل أن يزداد إحسانًا وأعمالًا صالحة.

وإما أن يكون مسيئًا، وفي هذه الحالة يرجو بطول الأجل أن يتوب ويستغفر ويعمل صالحًا، ويكفر عن سيئاته.

وروى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا.

فأبان الرسول صلى الله عليه وسلم أن المؤمن لا يزيده طول عمره إلا خيرًا، وأن عليه أن يواجه مسؤولياته في الحياة بقوة إرادة وصدق عزيمة، وصبر وصمود وكدحٍ ومجاهدة، ليغتنم من حياته ما يستطيع اغتنامه لآخرته.

وروى البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي.

وهذا الحديث يدل على أن الأفضل للمؤمن أن لا يتدخل في طلب الموت من ربه مطلقًا، وأن يترك أمر الأجل لمقادير الله في خلقه، ولحكمته في عباده.

ولذلك لم يدع خباب بن الأرت على نفسه با