موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين(11- حزب الله وأحزاب الشيطان)
الوصف
المحبة للآخرين
11- حزب الله وأحزاب الشيطان
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الخامس: المحبة للآخرين >>
11- حزب الله وأحزاب الشيطان
ينقسم الوجود إلى موقعين:
الأول:
موقع يحتله حزب الله.
الثاني:
موقع تحتله أحزاب الشيطان.
وبين هذين الموقعين تنافر وحدٌ فاصل بين واضح، يمنع أي تداخل بينهما.
فمن عرف موقعه من أعضاء حزب الله لم يجاوزه، ولم يتخذ لنفسه أولياء إلا من داخل الموقع الذي هو من أهله.
فالمؤمنون وفق ذلك بعضهم أولياء بعض، وجميعهم أولياء لله، ومتى صدقوا في محافظتهم على موقعهم كان الله وليهم فأيدهم بنصره، وهو القوي العزيز.
أما أحزاب الشيطان فهم في موقعهم المختلف الأجزاء، المتنافر الأغراض والأهداف والمصالح، يتخذ بعضهم بعضًا أولياء على مقدار تلاقي المصالح والمنافع المادية لكل منهم، والجامع لهم في هذا الموقع العام عنصر الشر الذي يمثله في الوجود بصفة عامةٍ الشيطان. فهم إذا تسلسلوا مع مستندات القوة التي يعتمدون عليها، فإنهم سينتهون إلى طواغيتهم، التي لا يجدون عندها تأييدًا ولا نصرًا، ومن وراء هذه الطواغيت المختلفة الشيطان، الذي لا يجدون عنده إلا الخذلان، وهو الغرور الخذلة.
فالمؤمنون الذين هم حزب الله بعضهم أولياء بعض، والكافرون والمنافقون الذين تتألف منهم أحزاب الشيطان بعضهم أولياء بعض.
قال الله تعالى في سورة (التوبة 9):
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71))
وقال تعالى في سورة (الأنفال 8):
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ..... (73))
فالمؤمنون بعضهم من بعض، وبعضهم أولياء بعض، وهم أولياء لله إذا اتقوا، والله وليهم، وهم حزب الله، وهم منصورون بنصر الله، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
والظالمون والكافرون بعضهم أولياء بعض، والشياطين والطواغيت أولياؤهم، ولكنهم لا ينفعونهم في ولايتهم شيئًا، ولا يغنون عنهم من الله شيئًا، إنهم إذا جد الجد، وحزب الأمر، تولوا عنهم، وخذلوهم، وتبرأوا منهم.
هذا ما دلت عليه النصوص، ومنها ما يلي:
1- قول الله تعالى في سورة (يونس 10):
(أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64))
فأولياء الله هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، فهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ولهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
2- وقول الله تعالى في سورة (الأنفال 8):
(إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (34))
أي: ما أولياء الله إلا المتقون.
3- وفي بيان أنهم حزب الله، يقول الله تعالى في سورة (المائدة 5):
(وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56))
ويقول الله تعالى في سورة (المجادلة 58):
(لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22))
4- وفي بيان أن الموقع المقابل لموقع حزب الله هو موقع يشتمل على أحزاب متباينة شتى، وهي في مجموعها تمثل حزب الشيطان، يقول الله تعالى في سورة (المؤمنون 23):
(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54))
ويقول الله تعالى في سورة (هود 11):
(وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (17))
فجعل الله في هذه الآية الكافرين بالقرآن أحزابًا.
ويدل على أن الأحزاب الكافرة تمثل بمجموعها حزبًا للشيطان، قول الله تعالى في سورة (المجادلة 58):
(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19))
وقول الله تعالى في سورة (فاطر 35):
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7))
فمن يتخذ لنفسه أولياء من حزب الشيطان فإنه يلحق نفسه بهذا الحزب الخاسر.
بيان أولياء الله وصفاتهم وثمرات هذه الولاية:
قال الله تعالى في سورة (يونس 10):
(أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64))
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب.
آذنته بالحرب: أي أعلمته به.
الولاية: هي المناصرة الدائمة، فأولياء الله هم الذين يواليهم الله ويناصرهم ضد كل من يعاديهم، ومن يعادي وليًّا من أولياء الله فإن الله تبارك وتعالى يعلمه بإعلان الحرب ضده مناصرةً منه لوليه.
وقد أبان النص القرآني صفات أولياء الله، فمن تحقق بهذه الصفات أخذ بالشروط المطلوبة للوصول إلى مرتبة الولاية.
فأولياء الله هم: الذين آمنوا، وكانوا يتقون.
أما الوصف الأول -وهو اتصافهم بالإيمان-: فهو يعني أنهم آمنوا إيمانًا صادقًا راسخًا ثابتًا بكل ما يجب أن يؤمنوا به في الإسلام.
وأما الوصف الثاني -وهو اتصافهم بأنهم كانوا يتقون-: فهو يدل على استقامتهم على التقوى المتكررة المتجددة من الماضي إلى الحاضر، أخذًا من فعل (كانوا) الدال على الماضي، مع ما في فعل الكون من معنى الاستمرار ولو جاء بصيغة الماضي، وأخذًا من فعل (يتقون) الدال على التجدد والتكرر، كما هو شأن دلالة صيغة الفعل المضارع.
ثمرات الولاية:
وأولياء الله إذ يظفرون بتأييد الله ونصره على وجه العموم، لهم من الله جزاءٌ يشتمل على أربع ثمرات:
الثمرة الأولى:
أنهم لا خوف عليهم؛ لأنهم في أمان الله، فهم محروسون بحفظه، مصونون بصونه، لذلك فإن قلوبهم مطمئنة لا قلق فيها ولا اضطراب، إنهم يحملون صك الأمان ممن بيده مقاليد الأرض والسماوات، وكل ما هو جارٍ وكل ما هو آتٍ، ولا خوف عليهم يوم القيامة من حساب ولا عذاب.
الثمرة الثانية:
أنهم لا يحزنون، فلا يمس الحزن قلوبهم على ما فات؛ لأنهم مؤمنون بأن ما قضاه الله لهم في الماضي هو الخير لهم، فهم راضون عن الله بما قضاه لهم، ولو كان مخالفًا لأهوائهم، ولما يشتهون؛ لأنهم يرون أنهم قد كوفئوا على إيمانهم وتقواهم بثواب عظيم جليل ونعيم مقيم لم يكن يخطر على قلوبهم، ولا على أفكارهم وأوهامهم.
الثمرة الثالثة:
أن لهم البشرى في الحياة الدنيا، وهذه البشرى تشتمل على خيرات عظيمة ينالونها ويظفرون بها في الحياة الدنيا قبل الآخرة، منها التأييد والنصر والتمكين في الأرض، ومنها السعادة التي لا ينالها غير المؤمنين، ومنها الرؤيا الصالحة، وبشارة الملائكة له عند الموت بالمغفرة والجنة، والثناء الحسن.
وقد فسرت البشرى لهم في الحياة الدنيا بالرؤيا الصالحة، روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ) قال:
الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له.
وروى الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت نظير ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وفسرت البشرى لهم في الحياة الدنيا بالذكر الحسن والثناء العاطر. روى مسلم والإمام أحمد عن أبي ذر أنه قال: يا رسول الله: الرجل يعمل العمل ويحمده الناس عليه ويثنون عليه به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تلك عاجل بشرى المؤمن.
وفسرت البشرى لهم في الحياة الدنيا بالبشارة بالمغفرة والجنة التي تبشرهم بها ملائكة من ملائكة الله عند الاحتضار، ففي حديث البراء رضي الله عنه:
إن المؤمن إذا حضره الموت جاءه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب، فقالوا: اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج من فمه كما تسيل القطرة من فم السقاء.
الثمرة الرابعة:
أن لهم البشرى في الآخرة، وبشراهم في الآخرة هو إخبارهم بأن الجنة مأواهم. فبشراهم فيها تكون بدخول الجنة والظفر بالنعيم المقيم، والنجاة من عذاب الحشر وعذاب النار.
وذلك هو الفوز العظيم.
حقوق الموالاة بين المؤمنين:
والموالاة بين المؤمنين تستلزم المناصرة، وتقديم المعونات الجماعية، وتأدية الحقوق المختلفة للأفراد على الجماعة، ولكن للإلزام بها شروط:
(أ) فالموالاة العا