موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين(10- معاداة الكافرين ودعاة الشر)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين(10- معاداة الكافرين ودعاة الشر)
195 0

الوصف

                                                    المحبة للآخرين
                                                  10- معاداة الكافرين ودعاة الشر
                             الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الخامس: المحبة للآخرين >>

10- معاداة الكافرين ودعاة الشر من الناس وعدم موالاتهم

وضمن المفهوم الإسلامي العام لمشاعر المحبة والمعارضات التي تقف في طريقها، يجد المسلم نفسه مضطرًا إلى معاداة الكافرين ودعاة الشر.

في المجتمع البشري يوجد فريق من الناس يعادون الحق والخير والإصلاح والفضيلة لوجه الشيطان، أو لتلبية أهوائهم وشهواتهم الجامحة الجانحة، وطبيعي بالنسبة إلى هؤلاء أن يكشف الله الستار عن عداوتهم الحقيقية للمسلمين، وأن يحذرهم منهم ومن موالاتهم؛ لأنهم سيكيدون لهم أيما كيد، وسيحاولون إيقاعهم في شركهم، وهم لا يفتأون يدبرون ضد المسلمين الدسائس والمكايد، ونجد هذا التحذير في نصوص كثيرة:

1- منها قول الله تعالى في سورة (الممتحنة 60):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِن كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2))

ففي هذا النص يحدد الله للمسلمين مواقع الكافرين، وأنهم يقفون من المسلمين مواقف العداء، فعليهم أن يحذروهم ولا يوالوهم، ولا يلقوا إليهم المودة.

وقد نزل هذا النص مع آيات آخرى، بمناسبة ما جرى من حاطب بن أبي بلتعة قبيل فتح مكة، إذ حاول إعلام قريش بعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على فتح مكة، فأرسل مع امرأة كتابًا لتوصله إلى بعض زعماء قريش، وفيه خبر ما عزم عليه الرسول، وقد أراد مصانعتهم بهذا الإعلام، ليحفظ أهلًا له كانوا في مكة، من أن يتعرض لهم مشركو قريش بأذى؛ لأنه لم يكن له في مكة قوة ولا عشيرة.

وحاطب قد كان مؤمنًا، ولم يمس قلبه نفاق، ولكنه تعرض لحالة من حالات الضعف البشري، ضعفت معها إرادته المؤمنة العاقلة، فارتكب هذا الإثم العظيم، وسقط في هوة الخيانة التي باشرها، ونزل الوحي فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم خبر الكتاب الذي أرسله حاطب، وكانت المرأة التي حملت الكتاب ما زالت في طريقها إلى مكة، فتدارك الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر، فأرسل من انتزع الكتاب منها.

واستدعى الرسول حاطبًا، وحاكمه، ثم عفا عنه لسابقته في الإسلام ولأن ما كان منه لم يكن عن نفاق ولا ردة عن الدين.

ولذلك صدّر الله النص بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إشعارًا بأن حاطبًا لم يرتكب خيانته العظيمة بسبب نفاقٍ أو كفر مس قلبه، وإنما كان بسبب ضعف بشري أصاب إرادته من قبل عاطفته نحو أهله وولده.

وبعد هذا النداء للمؤمنين نهاهم الله عن أن يتخذوا الكافرين أولياء، مبرزًا من صفاتهم أنهم أعداء الله وأعداء المؤمنين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ)  أَوْلِيَاءَ أي: لا يكن بينكم وبينهم مناصرة، ولا موادة، وأشار إلى ما صنع حاطب بقوله: (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)

فاتخاذهم أولياء، ومصانعتهم بالمودة، مع أنهم أعداء حقيقيون، ثغرة كبيرة يستغلونها لضرب الإسلام والمسلمين، ولإنفاذ سهامهم إلى الصميم.

والمؤمن ذكي فطن، شديد الحذر من عدوه، لا تأخذه السذاجة والغفلة، فتجره والمسلمين معه إلى فخ عدوه وعدو دينه وعدو الله ورسوله، ومن الواجب عليه دائمًا أن يعرف مواقع عدوه، وأن يكون على حذرٍ شديدٍ من مكايده ودسائسه.

فالمصادقة، والمصافاة، والموادة، لأعداء الله وأعداء المسلمين، ثغرةٌ خطيرة ينفذ منها العدو، فينقض على المقاتل، والمسلمون في غفلة عما يكيده ويدبره بحقده وشدة عداوته.

ويكفي لتعليل هذا الإجراء الوقائي من قبل المسلمين تجاه عدوهم، ما ذكره النص من بيان واقع حال الكافرين أعداء الله وأعداء المسلمين:

(أ) فهم قد كفروا بما جاءكم من الحق.

(ب) وعملوا على إخراج الرسول وإخراجكم من دياركم وأموالكم لأنكم آمنتم بالله ربكم.

(ج) وهم يضمرون الحقد عليكم، فإن يجدوكم في أي موقف من مواقف الضعف يكشفوا عداوتهم لكم، ويبسطوا إليكم أيديهم مقاتلين، وألسنتهم بمقالات السوء والشتائم القذرة.

(د) وهم يودون دائمًا لو تكفرون فتكونون مثلهم في عقيدتهم، وطريقتهم، وأعمالهم، فلا يرضون عنكم حتى تشاركوهم في الكفر بالله، وتتركوا إيمانكم وإسلامكم.

ألا تكفي هذه الأسباب الأربعة لمعاملتهم على أساس أنهم أعداء، وإن كان المؤمنون يودون لهم الخير والهداية بدافع خلق المحبة الذي يعاملون به الناس جميعًا.

وهذه الصفات التي وجدت لدى مشركي مكة، موجودة كلها لدى كل الذين لا يؤمنون بالإسلام، من يهود ونصارى وغيرهم، إذا هم رفضوا الاستجابة لدعوة الحق بعد أن عرضت عليهم واضحةً مشرقة، مدعمة ببراهينها، ومقرونة بالمواعظ الحسنة التي تحبب بها، والأساليب الحكيمة التي تقرب إليها.

وهذه الصفات موجودة أيضًا لدى المنافقين بشكل أخطر، وعلى وجه هو أدهى وأمكر؛ لأنه مقنع مستور بالتظاهر بالإيمان والموالاة، ومتمكن من النفوذ إلى المقاتل بالمخالطة والمداخلة والمشاركة في أمور السلم والحرب كلها.

ولذلك حذر الله ورسوله تحذيرًا شديدًا من مكايد المنافقين، وأبان الله أنهم هم العدو، أي: هم العدو الخطير، الذي يجب الحذر منه، واليقظة الدائمة نحوه، وتتبع كل حركاته الصغرى والكبرى، ومراقبة خلواته، والتفرس في أقواله، ومعاريض كلامه، وفلتات لسانه، قال الله تعالى في سورة (المنافقون 63):

(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4))

فقال سبحانه عن المنافقين: (هُمُ الْعَدُوُّ) أي: هم العدو الأخطر، لمخالطته، ومداخلته، ومصانعته، وتظاهره بالإسلام، ومعرفته مقاتل المسلمين، وثغرات الضعف التي يمكن أن ينفذ إليهم منها من يبغيهم بسوء.

وفي الحديث:

لا أتخوف عليكم مؤمنًا ولا كافرًا، أما المؤمن فيحجزه إيمانه، وأما الكافر فيقمعه كفره، ولكن أتخوف عليكم منافقًا عليم اللسان، يقول ما تعلمون، ويفعل ما تنكرون.

2- ومنها قول الله تعالى في سورة (الأنعام 6):

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ..... (112))

إن الصراع دائم بين الحق والباطل، والمحقين والمبطلين، فما من داعٍ إلى الحق إلا له عدوٌ من شياطين الإنس والجن.

إن مصالح الشياطين وأهواء نفوسهم وشهواتها، لا تتحقق لهم كما يريدون، إلا عن طريق تحكم الباطل، وممارسة الشرور، فمن الطبيعي أن يكونواك أعداءً لدعاة الحق، ومانعي ممارسة الشرور في الأرض.

ولما كان النبيون قمة دعاة الحق في الناس، وكان وجود شياطين الإنس والجن في الأرض مستمرًا، كان لا بد من وجود الصراع بين هؤلاء وهؤلاء، وكان شياطين الإنس والجن أعداءً طبيعيين للنبيين، ولكل دعاة الحق والخير من ورائهم.

وإذا كان شياطين الإنس والجن هم قمة دعاة الباطل وناشري الشر في الأرض، فإن من ورائهم مجرمين كثيرين، يعادون أيضًا النبيين وسائر دعاة الحق والخير، قال الله تعالى في سورة (الفرقان 25):

(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31))

فالمجرمون متى ظهر دعاة الحق والخير ناصبوهم العداء، وواجهوهم بالشرور والفتن، والمكايد والدسائس، والمقاومة والمصارعة، وذلك لأن دعوة الحق والخير تحجب عن المجرمين منافذ تسلطهم المجرم، وتفوت عليهم منافع ولذائذ يحصلونها بالباطل، وممارسة الشر والضر والأذى.

وعندئذٍ يجد دعاة الحق أنفسهم مضطرين لدفع شرورهم والحذر منهم، ومعاداتهم معاداة صريحة إذا يئسوا من إصلاحهم.

3- ومنها قول الله تعالى في سورة (المجادلة 58):

(لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22))

ففي هذه الآية إعلان التنافي بين الإيمان بالله واليوم الآخر وموادة من حاد الله ورسوله.

نعم، هما قضيتان متناقضتان في لوازمهما، فهما لا تجتمعان: الإيمان بالله واليوم الآخر يستلزم محبة الله وطاعته، وموادة أوليائه ومعاداة أعدائه. ومن حاد الله ورسوله فقد اختار لنفسه سبيل الكفر، وسبيل الكفر مناقض لسبيل الإيمان، وموادة من اختار سبيل الكفر تستلزم الرضى عنه في اتجاهه، والتجاوز عن مكايده للإسلام والمسلمين، ومناصرته في بعض أمره ضد دعوة الحق، وكل ذلك يناقض القضية الأولى ولوازمها.

إذن، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر إيمانًا صادقًا صحيحًا، فإنه لا يواد من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب الناس إليه نسبًا. وإذا كان لا يواده فهو لا يناصره على باطله بحالٍ من الأحوال.

إن لكل من الأمور العامة والخاصة حدودًا، ومتى تجاوزت الأمور حدودها انقلبت إلى أضدادها، فمعامل