موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين(8- البغض في الله)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين(8- البغض في الله)
209 0

الوصف

                                                    المحبة للآخرين

                                                   8- البغض في الله
                الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الخامس: المحبة للآخرين >>

8- البغض في الله

طبيعة التناقض في ظروف هذه الحياة الدنيا تستدعي حتمًا أن يقابل المؤمنون المناصرون للحق والخير، الباطل والشر بالتنكر والبغضاء، وأن يقابلوا حملة الشر في الأرض والداعين إليه والمؤيدين له بالمقاومة والعداء، وهذا مما يرضي الله تعالى، فهو إذن من قبيل البغض في الله.

إن أنصار الحق والخير هم أنصار الله وأولياؤه وأعداء الشيطان وأعداء أوليائه. وإن أنصار الباطل والشر هم أنصار الشيطان وأولياؤه وأعداء الله وأعداء أوليائه.

فالبغض في الله يسير مع الحب في الله على خطين متوازيين، ولذلك جاء في نصوص كثيرة التوجيه للحب في الله والبغض في الله.

روى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:

يا أبا ذر، أي عرى الإيمان أوثق؟

قال: الله ورسوله أعلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الموالاة في الله، والحب في الله، والبغض في الله.

وروى الإمام أحمد عن أبي ذر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

أتدرون أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟

قال قائل: الصلاة والزكاة. وقال قائل: الجهاد. قال النبي صلى الله عليه وسلم:

إن أحب الأعمال إلى الله تعالى الحب في الله والبغض في الله.

والسبب في كون الحب في الله والبغض في الله أفضل الأعمال حسب التوجيه الذي ورد في هذا الحديث؛ أن عاطفتي الحب والبغض من أقوى الدوافع إلى القيام بالأعمال العظيمة الشاقة، وحينما تكونان محصنتين بضابطهما العظيم -وهو كونهما في الله، أي: في طاعته ومرضاته- تكونان من أقوى الدوافع إلى فعل الخير وترك الشر، ومناصرة الحق وأهله، ومقاومة الباطل وأهله.

الفكرة الإسلامية في معاداة أعداء الله وعدم موالاتهم:

ظهر لدينا أنه لا تعارض بين كون الأصل في خلق المسلم الذي يعامل به الناس هو خلق المحبة، وبين كونه يبغض الباطل والشر والفساد والرذيلة وأنصارها، على أساس أنه يبغض فيهم هذه الصفات ولا يبغضهم لذواتهم، بل هو حريص على هدايتهم وإنقاذهم، ولكنهم أبوا، ورفضوا منهج الحق، وناصبوه العداء، وانحازوا إلى الطرف المناقض له.

وعرفنا أن المسلم يحرص بدافع خلق المحبة أن يكون الناس جميعًا شركاء له في السعادة الخالدة، وأنه بدافع خلق المحبة يقاتل المجرمين الشريرين، ليحمي الناس من شرورهم، ولعله بمقاتلتهم ينقذهم من شرور أنفسهم، فيعتدلون ويستقيمون، ويحولون مسيرتهم إلى سبيل الهداية، فيظفرون بالسعادة الخالدة، بعد أن كانت مسيرتهم آخذة بهم إلى العذاب الأليم، والشقاء المقيم.

وعلى هذا الأساس أكدت النصوص الإسلامية ضرورة اتخاذ شياطين الجن والإنس أعداءً، وضرورة اتخاذ الكافرين أعداءً؛ لأنهم ناصبوا الله والحق والخير العداء، فلا تنافر ولا تعارض بين المحبة التي يتوجه بها قلب المؤمن نحو الشخص الذي يعاديه، مريدًا بهذه المحبة إنقاذه، أو إنقاذ المجتمع البشري من شره، وبين معرفة أنه عدو، وأخذ الحذر من مكايده وشروره، واتخاذه عدوًا؛ لأنه غير مأمون الجانب.

وليس معنى معاملته على أساس خلق المحبة موالاته، أو عدم الحذر منه، والاستسلام لشروره ومكايده، فهذه الأمور تعتبر من الرعونة والغفلة الشديدة، وعدم التبصر بحقائق الأمور.

وبهذا تمتاز نظرة المسلم للذين يعادونه، عن نظرة غير المسلمين إلى أعدائهم، فغير المسلمين يعاملون أعداءهم على أساس الكراهية والحقد، أما المسلمون فإنهم يعاملون أعداءهم على أساس المحبة وإرادة الخير لهم وللناس أجمعين.

إن نظرة المسلمين إلى أعدائهم تشبه نظرة الأخ إلى أخٍ له مصابٍ بمرض خطير معدٍ، فهو يحبه ويحب له الشفاء من مرضه الخطير المعدي، ويسعى جهده لإبعاد هذا المرض عنه، وهو مع ذلك يفر منه، ويجافيه، ولا يخالطه، حذرًا من شره وضره، ومخافة انتشار الوباء الذي يحمله، وقد يسجنه ويعزله عزلًا تامًا، فإذا غدا مرضه مرضًا مخيفًا، وغدت سلامة الناس متوقفة على الخلاص منه نهائيًّا، فإنه يتخلص منه، أو يسلمه إلى المشرفين على الصحة العامة، وهم ينفذون فيه حكم الإتلاف وتطهير المجتمع منه، لا بغضًا به، وكراهية له لذاته، ولكن خلاصًا من شره الخطير، ووبائه المستطير.