موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين(7- علامات صدق حب العبد لله ورسوله)
الوصف
المحبة للآخرين
7- علامات صدق حب العبد لله ورسوله
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الخامس: المحبة للآخرين >>
7- علامات صدق حب العبد لله ورسوله ووسائل الظفر بمحبة الله لعبده
للحب مظاهر وعلامات، ومن أبرز مظاهر حب العبد لله ورسوله طاعتهما، واتباع أوامرهما، واجتناب نواهيهما، والعمل بما يرضيهما، وكبح جماح أهواء النفس وشهواتها في ذلك.
أما ادعاء حبهما مع معصيتهما ومخالفتهما، والعمل بما يسخطهما، واتباع أهواء النفس وشهواتها، فهو أمر لا تقبله العقول السليمة، ولا تستسيغه النفوس البريئة من العلل، ولذلك خاطب الشاعر الحصيف العاصي الذي يدعي محبة الله بقوله:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس يشير بذلك إلى القياس المنطقي الذي قدمه في البيت الثاني، وهو من قبيل القياس الاستثنائي المتصل، وبيانه: لو كان حبك صادقًا لأطعته، لكنك غير مطيع، فادعاؤك الحب ادعاء كاذب غير صادق. والمقدمة الكبرى تثبت أن صدق الحب يستلزم الطاعة. شنيع
لو كان حبك صادقًا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
وقال الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سورة (آل عمران 3):
(قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32))
ففي هذا النص القرآني يبين الله تعالى أن صدق محبة العباد لله تعالى تستلزم اتباع رسوله وطاعته، وأن اتباع الرسول وسيلة يظفر فيها العباد بمحبة الله لهم (قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) فاتباع الرسول لازم من لوازم محبة الله، واتباع الرسول شرطٌ جزاؤه الظفر بمحبة الله لعبده، ويوجد جزاء آخر لهذا الاتباع، وهو غفران الذنوب (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وبهذا الغفران تصفو المحبة من منغصات الخطيئة والمعصية.
أما الذين يتولون عن الاتباع والطاعة فأولئك هم كافرون، والله لا يحبهم؛ لأنه لا يحب الكافرين، إذ هم بتوليهم وإعراضهم يبعدون أنفسهم عن مواقع محبة الله، ويقذفون أنفسهم في مواقع سخطه وغضبه وطرده.
ومن أجل ذلك كان التقرب إلى الله بالطاعات من الأسباب التي تجعل العبد من أحباب الله، ومن أحبه الله وجد معونة الله مصاحبة لسمعه وبصره وسائر جوارحه، ومن أحبه الله كان عند الله مجاب الدعوة، وكان من أولياء الله. روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد أذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه.
في هذا الحديث القدسي بيان لسبيل ذات مرحلتين من اجتازهما أحبه الله، ثم كان من أولياء الله.
المرحلة الأولى:
يجب فيها المرور على جسر تأدية الفروض التي فرضها الله على عباده.
المرحلة الثانية:
هي الانطلاق في التقرب إلى الله بالنوافل، وهي الأعمال الصالحة التي لم يفرضها الله على عباده، وبهذه الأعمال الصالحة غير المفروضة التي يقوم بها العبد يثبت بها أنه محب لله، وكلما زاد منها زاد خطواتٍ في طريق محبته لله وزاد في تقديم الأدلة العملية على صدق هذه المحبة ونموها، ولذلك تكون مكافأته من قبل الله أن يحبه الله محبة كبيرة، ومتى وصل الإنسان إلى هذه المرتبة العظيمة صار ملاحظًا بعناية الله ورعايته، ومحفوفًا بكنف الله وموالاته، فإذا سأل الله شيئًا أجابه ولم يرد طلبه، وإذا استعاذ به من شيء أعاذه وحماه، فكان مجاب الدعوة.
الخلة:
وحينما ترتقي المحبة إلى المستوى الأعلى تكون هي الخلة؛ لأنها تخالل كيان الإنسان كله، وتهيمن على كل مشاعره، وهذا المستوى من المحبة هو المستوى الذي وصل إليه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ورسول الله إبراهيم عليه السلام.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إن من أمن الناس علي في صحفته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن أخوة الإسلام ومودته.
وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلًا.
يعني نفسه.
ويقول الله تعالى في شأن إبراهيم عليه السلام في سورة (النساء 4):
(وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (125))
ولذلك اشتهر بأنه إبراهيم الخليل.