موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين(6- اختيار من تحب)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين(6- اختيار من تحب)
216 0

الوصف

                                                   المحبة للآخرين

                                                6- اختيار من تحب
       الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الخامس: المحبة للآخرين >>

6- اختيار من تحب

(أ) من أحب شخصًا لله فمن السنة أن يخبره بذلك:

إذا أحب المرء أخًا له في الله، فمن السنة أن يعرب له عن محبته له، لتتوثق بينهما وشائج الأخوة الإيمانية، وليرعى كل منهما حقوق هذه الأخوة القائمة على الحب في الله.

روى أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، عن المقداد بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه.

وروى أبو داود أيضًا بإسناد صحيح، عن أنس أن رجلًا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر رجلٌ فقال: يا رسول الله، إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

أعلمته؟

قال: لا، قال:

أعلمه

فلحقه فقال: إني أحبك في الله. فقال: أحبك الذي أحببتني له.

وروى أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن معاذ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال:

يا معاذ والله إني لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ: لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.

فأعلم الرسول صلى الله عليه وسلم معاذًا بما يجد في قلبه من محبة له.

(ب) على المسلم أن يحسن انتقاء إخوانه وأصدقائه من المتقين:

للصداقة تأثير قوي على سلوك الإنسان، فالصاحب إذا كان له اتجاه جر صاحبه إليه؛ لأن الصداقة لا تتم إلا مقترنة بتبادل الثقة، ومع الثقة يحصل الاستسلام، والانقياد، والموافقة. فإذا ارتفعت الصداقة إلى مستوى المحبة أو الخلة، كانت في ذلك أشد وأقوى، وكان تأثيرها على كل من الخليلين أعمق.

فعلى المسلم الواعي أن يحسن اختيار أصدقائه وأخلائه من المؤمنين المتقين الصالحين أهل الاستقامة، حتى يكونوا عونًا له على الخير، فإذا كان غير ذلك أثروا عليه تأثيرًا عكسيًّا، وكانوا له عونًا على الشر، أو موسوسين له به، وآخذين بيده إليه.

ولذلك حث الإسلام على ضرورة انتقاء الأخلاء الصالحين، وضرورة البعد عن أصدقاء السوء والرفقاء الذين يساعدون على فعل ما لا ينبغي فعله.

روى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود والبيهقي بإسناد صحيح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.

فأبان الرسول في هذا أن المرء على دين خليله، والدين يشمل العقيدة والسلوك، ومما لا شك فيه أن الإنسان يتأثر تأثرًا كبيرًا بعقيدة خليله في الحياة، وبسلوك خليله الذي يسلكه، خيرًا كان أو شرًا.

ويقول الناس في الحكم الدارجة: الصاحب ساحب.

وروى الترمذي وأبو داود والدارمي والإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي.

فوجه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى وجوب الابتعاد عن مصاحبة غير المؤمنين، لئلا يجروا من يصحبهم إلى ما لا يرضى الله عنه من سيئات وموبقات، بتأثيرهم عليه عن طريق المخالطة والصحبة.

(ج) حسن اختيار الزوج:

ولما كان الزواج سبيلًا إلى عقد أقوى الصداقات وأخطر المودات في الحياة، كان على كل من الرجل والمرأة أن يحسن اختيار زوجه ممن يرضى دينه وخلقه، وإلا جر الفاسد من الزوجين الصالح منهما إلى سبل الفساد.

وهذا ما وجه إليه الإسلام في نصوصه، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك.

فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الزواج من ذات اليدين ظفرًا بغنيمة عظيمة.

وروى الترمذي عن أبي هريرة بإسناد حسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.

فوجه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أولياء المرأة إلى الموافقة على تزويج الخاطب ذي الدين والخلق؛ لأن صحبة الزواج من أعمق أشكال الصحبة وأخطرها، فإذا لم يكن الدين عمودها جرت إلى معصية الله، وإلى شرور كثيرة، منها تأسيس أسرة فاسدة، تقتدي في فسادها بعميديها الفاسدين في دينهما وأخلاقهما، أو تقتدي في فسادها بأحد عميديها الفاسدين إذا كان فاسدًا غير صالح.

ومن أجل ذلك حرم الله أن ينكح المسلم مشركة، أو تنكح المسلمة مشركًا، وبين الله سبب التحريم فذكر أن المشركين يدعون إلى النار أي إلى السبل الموصلة إليها، على عكس الدعوة الربانية التي تدعو إلى الجنة، وإلى سلوك سبيل المغفرة، فالمشركون إذن يؤثرون على قرنائهم بدعوتهم الكافرة، قال الله تعالى في سورة (البقرة 2):

(وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221))

وقد عالجت هذه الآية جانبًا مهمًا في موضوع الزواج، وهو أن المخطوبة المشركة قد تكون معجبة في شكلها، أو في عشرتها، أو غير ذلك فتميل النفوس إليها، وأن الخاطب المشرك قد يكون معجبًا في شكله، أو في عشرته، أو في علمه أو في عمله، أو في ماله، أو في مركزه الاجتماعي، أو غير ذلك، فقال تعالى: (وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) وقال: (وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ)

والخيرية تأتي من سلامة المؤمنة من شر تربية أبنائها على الكفر والفسق والعصيان، ومن خوفها من الله وحسن معاشرتها لزوجها، وكذلك العبد المؤمن، يضاف إلى ذلك الإكرام الرباني بتوفيق من لا يؤثر عليه ميله النفسي، فيكف عما استحسنه مما لم يأذن الله به.