موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين( 5- في الحب السامي)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين( 5- في الحب السامي)
231 0

الوصف

                                          المحبة للآخرين

                                       5- في الحب السامي
        الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الخامس: المحبة للآخرين >>

                                        5- في الحب السامي

                           (أ) حب الله والرسول صلى الله عليه وسلم:


1- روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

المرء مع من أحب.

وفي رواية قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال:

المرء مع من أحب.

2- وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قومًا ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

المرء مع من أحب.

3- وروى البخاري ومسلم عن أنس، أن أعرابيًّا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ما أعددت لها؟

قال: حب الله ورسوله. قال:

أنت مع من أحببت.

وفي رواية أنه قال: ما أعددت لها من كثير صوم ولا صلاة ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:

أنت مع من أحببت.

قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بها.

إن الحب السامي يرفع مراتب المقصرين في فضائل السلوك والأعمال الصالحات، حتى يجعلهم مع من يحبون من السابقين، الذين يستحقون المراتب العالية الرفيعة.

كما أن الحب الساقط المنحط يخفض منازل المجتهدين في ظواهر السلوك الحسن، حتى يجعلهم مع من يحبون من المتخلفين المقصرين في الأعمال الصالحات، والذين يستحقون المنازل السفلى.

والسبب في ذلك أن الحب السامي الذي هو حب الله والرسول وحب ما يحبه الله والرسول، من أعلى مراتب الإيمان، بل هو أعلاها، إذ هو لدى التحقيق أعلى من مرتبة الحمد والشكر، وأعلى من مرتبة الإجلال والإكبار، بل له مرتبة الخوف والطمع.

إن المحب الصادق في حبه يحب ولو لم يكن مع الحب خوف وطمع، ويحب ولو جاءه الألم من جهة من يحب، وحبه يدفعه إلى الحمد والثناء، والشكر على النعماء، دون ملاحظة الثواب والجزاء، ويدفعه إلى الإجلال والإكبار.

وحب الرسول من حب الله؛ لأن الله أمر بحبه كما أمر باتباعه، فمن صدق في حبه لله فلا بد أن يحب من اصطفاه الله وأحبه واختاره رسولًا يبلغ عنه رسالاته، وأمر بحبه.

وللرسول على الناس أيضًا سوابق فضل هدايتهم وإرشادهم إلى طريق سعادتهم، وله عليهم فضل ما بذل من أجلهم من نفسه وجسمه وكل ما يملك، وله عليهم فضل رحمته بهم ومحبته لهم وغيرته وحرصه عليهم، وصبره الشديد على أذى من آذاه وأساء إليه منهم، وله عليهم فضل خوفه الشديد من أن يمسهم عذاب ربهم على كفرهم وضلالهم، وأنه عزيز عليه أن ينالهم عنت أو مشقة.

كل ذلك يستوجب على الناس أن يحبوه، ولا يحبونه إلا إذا آمنوا به وبرسالته، ومتى أحبوه لهجت ألسنتهم بالثناء عليه وبالصلاة عليه، وتحركت إرادتهم لاتباعه والاقتداء به.

والحب محرك داخلي في الإنسان أعمق وأقوى من أي محرك آخر.

والحب السامي إيمان وزيادة عاطفة هي أقوى العواطف وأكثرها تأثيرًا في الكيان الإنساني متى وجدت، وهي قادرة على أن تغلب سائر عواطف الإنسان.

لكل ما سبق كان للحب هذه القيمة، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

المرء مع من أحب

. وقال للرجل المقصر في نوافل الطاعات، إلا أنه يحب الله والرسول:

أنت مع من أحببت.

لكن صدق الحب لا بد أن يدفع في الغالب إلى السبق في الطاعات والعمل بما يرضي المحبوب، وحين توجد بعض العوامل التي تبطئ المحب عن السبق في العمل بما يرضي المحبوب، فإن صدق حبه يقوم مقام الاستزادة من صالح العمل؛ لأن العمل القليل الذي يعمله مصحوب بإخلاص كثير.

أما الحب الساقط المنحط فهو تعليق للقلب بالشياطين، أو بما توسوس به الشياطين، أو ما يفضي في آخر الأمر إلى مرضاة الشياطين وسخط الله، وهذا لا يكون إلا ثمرة لتأثير عناصر من الباطل أو زخرف الحياة الفانية على نفس الإنسان وقلبه. ومتى تمكن في قلب الإنسان حبٌ من هذا القبيل فلا بد أن يجره إلى تقصيرات كثيرة، ثم إلى مخالفات ومعاصٍ كبيرة، وكل ذلك يقذف به إلى درك المنازل المنخفضة المنحطة، وإن كان في أول طريقه من السالكين في طريق الاستقامة؛ لأن السلوك لم يكن أثرًا لدوافع عميقة راسخة في الفؤاد، ولو كان أثرًا لذلك لاقترن بالحب للخير، ولمصدر الخير، وللدال على الخير. ولو أنه كان سلوكًا ناشئًا عن إيمان صحيح صادق لما وجد الحب الساقط منفذًا يعبر منه إلى قرارة الفؤاد، ثم السيطرة على مشاعره، وهذا الحب الساقط انعطاف قلبي خطير إلى الشر واستحسان له.


(ب) الحب في الله والبغض في الله:


1- روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان:

- أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

- وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله.

- وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار.

2- وروى الترمذي بإسناد حسن صحيح عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء.

3- وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي.

4- وروى أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال:

يا معاذ والله إني لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ: لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

5- وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه.

كمال الحب السامي من علامات الإيمان الكامل، وبه يذوق المؤمن حلاوة الإيمان.

والحب السامي الكامل يتحقق بأن يكون الله ورسوله أحب للمؤمن مما سواهما، وبأن يحب المرء لا يحبه إلا لله.

ومقياس صحة الإيمان أن يكره المؤمن أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار؛ إذ لا يتم صدق حب الشيء إلا بالكراهية التامة لنقيضه، والكفر نقيض الإيمان، ولما كان ثواب الإيمان جنة النعيم، والمؤمن يحب هذا الثواب ويحرص عليه، وكان جزاء الكفر الخلود في النار، وكل من يعرف النار يكره العذاب فيها، كان من علامات صدق الإيمان أن يكره المؤمن أن يعود في الكفر، بمقدار كراهيته لأن يقذف في النار.


حلاوة الإيمان:


أما حلاوة الإيمان فهي سعادة روحية وقلبية ونفسية يشعر بها المؤمن كامل الإيمان، وهي لذة عميقة طويلة البقاء، يستمتع بها من كان مؤمنًا حقًا كامل الإيمان، يحب الله ورسوله أكثر مما يحب أي شيء سواهما حتى نفسه، وإذا أحب إنسانًا أحبه لله، ويكره مواقع الكفر كما يكره مس النار والعذاب فيها.

ولا يعرف قيمة حلاوة الإيمان إلا من ذاقها في قرارة نفسه وأعماق فؤاده، فاللذات والسعادات يعسر تصويرها بالعبارات، ويصعب تصورها بالخاطرات، ولكن متى أحس بها سعد واستمتع، وسكن إليها قلبه، واطمأنت بها نفسه، وأخذت تعب منها جوارحه عبًا هنيئًا، فتنشط للعمل بما يوجبه الإيمان وبما يستدر حلاوته.

فمن أراد أن يعرف حقيقة حلاوة الإيمان فليأخذ بأسبابها حتى يصل إلى ذواقها.

وقد يستطاع تقريبها إلى التصور بمقابلتها بأضدادها، فإذا استطعنا أن نتصور مبلغ الألم الذي يعاني منه إنسان يحب شيئًا ما حبًا جمًا، فجاء ظالم فانتزعه منه بغيًا وعدوانًا، وهو عاجز عن استرداد محبوبه منه، فحلاوة الإيمان مناظرة في الطرف المقابل لشدة مرارة الألم الذي يحدثه فقد المحبوب، ومهما زادت نسبة الإيمان زادت حلاوته.

وليست حلاوة الإيمان مجرد خلاص من آلام القلق والاضطراب والشك والحيرة، وإنما هي سعادة وجودية فوق ذلك، يقذفها الله في قلوب عباده المؤمنين، مع ما فيه من سعادة الخلاص من الآلام التي يجلبها الكفر والعصيان للعصاة الكافرين.

وقد يستطاع تقريبها إلى التصور بقياسها على بعض لذات الحياة الدنيا، إلا أن لذات الحياة الدنيا نفحات متقطعات، سريعة التحول والزوال، فإذا تصورنا أحب نفحات السعادة التي تأتينا في الحياة الدنيا عن طريق لذات النفس أو القلب، ثم تصورنا لو أنها كانت مستمرة أو طويلة الأمد، أمكننا أن نقرب إلى تصورنا حلاوة الإيمان الكامل، الذي توافرت فيه الصفات الثلاث التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث.

فلو أن الرجل الذي انتزع منه الظالم الآثم الباغي أحب ما يحب من الحياة الدنيا، قد استطاع أن ينتصر على الظالم ويسترجع منه محبوبه، ويشفي منه صدره بالانتقام العادل، لكانت سعادة قلبه ونفسه شبيهة بحلاوة الإيمان الكامل بصفة تقريبية، مع ملاحظة الفرق الكبير في النوع وفي الكيف وفي الكم، إذا كانت حلاوة الإيمان من مستوى رفيع حقًا.


شروط الشعور بحلاوة الإيمان:


ويجد حلاوة الإيمان من استجمع ثلاثة عناصر:


العنصر الأول:

أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، أي أحب إليه من سائر ما يحب من مال وولد وزوج ووالدين وكل موجود سواهما، وجميع لذات الحياة ومتعها، حتى نفس المؤمن.

فحب الله والرسول بموجب هذا العنصر ينبغي أن يكون غالبًا على حب هذه الأشياء كلها، فضلًا عما سواهما مما هو دونها تأثيرًا على الإنسان.

ولما كان الله هو الحق، وكل ما يأتي عنه حق، وكان الرسول هو المعرف بالحق والمبلغ عن الله ما أنزل من حق، كان حبهما من حب الحق وإيثاره.

ومن كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما آثر ما يرضيهما على كل أهواء نفسه وشهو