موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين(3- الحب قسمان: عاقل، وأرعن)
الوصف
المحبة للآخرين
3- الحب قسمان: عاقل، وأرعن
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الخامس: المحبة للآخرين >>
3- الحب قسمان: عاقل، وأرعن
حينما تدفع المحب محبته إلى إرضاء الشخص الذي يحبه في كل ما يريد، والسرور له بفعل كل ما يهوى، ولو كان في ذلك هلاكه، أو ضره وأذاه، أو سخط الله، أو إضرار بالناس، أو نشر للشر والفساد في الأرض، فهي محبة حمقاء رعناء جاهلة، ضارة غير نافعة.
فالمحبة قسمان: محبة عاقلة نافعة، ومحبة رعناء جاهلة ضارة.
أما المحبة العاقلة النافعة: فهي التي تريد الخير لمن تحب، ولو كان ذلك يسيئه ويخالف هواه.
وأما المحبة الجاهلة الرعناء الضارة: فهي التي تسعى لإرضاء من تحب في كل ما يشتهي ويهوى، وتسر لمسرته في اتباعه أهواء نفسه وشهواتها، ولو كان ذلك سيجلب له ولغيره شرًا كبيرًا، وضرًا عظيمًا، ومصائب جسيمة، وعذابًا أليمًا.
إن المحبة الجاهلة الرعناء للولد مثلًا، تدفع صاحبها إلى إهمال تربية ولده شفقةً عليه، أو سرورًا بانطلاقه في تلبية أهواء نفسه، حتى تجعله يتمادى في الشر والإثم، ويكون في آخر أمره مجرمًا خطيرًا، وشيطانًا رجيمًا.
وربما كانت العداوة العاقلة له خيرًا وأهون شرًا من هذه المحبة الجاهلة الرعناء.
إن تلك الأم الجاهلة الحمقاء، التي أشفقت على ولدها فأهملت تربيته، قد دفعت به وهي لا تشعر حتى صار مجرمًا، وساقته الجريمة إلى يد العدالة. عندئذ وقفت أمه تبكي جزعًا من أجله، وحسرة عليه، وندمًا على ما فرطت في جنبه، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ويقول لها: أنت التي دفعت بي إلى هذا المصير المهلك، بشفقتك علي، وسوء تربيتك لي، وإهمالك شأني، وسرورك باتباعي أهواء نفسي.
أما المحبة العاقلة الحكيمة، فأعظم مثل لها محبة الله لعباده، ثم محبة الرسول لعباد الله، ثم محبة المؤمنين الفاهمين لإسلامهم والمتأدبين بآدابه.
فالله عز وجل يحب لعباده الكمال، ولا يحب لعباده النقص، وهذا ما تقتضيه المحبة الحكيمة، لذلك فهو يحب لهم الإيمان، ولا يرضى لهم الكفر، ويحب لهم أن يعملوا صالحًا، ولا يحب لهم أن يعملوا السيئات، فمن آمن وعمل صالحًا كان من أحباب الله، ومن كان من أحباب الله كان من أحباب رسوله الكريم، وكان من أحباب الصالحين من عباد الله. ومن كفر فإن الله لا يحبه لكفره، وليس يكرهه لذاته، إذ هو عبد من عباده، وخلق من خلقه، ولكنه لما اختار لنفسه سبيل الكفر أبعده الله عن مكان محبته، وكذلك من ظلم وأجرم وأفسد في الأرض فإن الله لا يحبه لاقترافه هذه القبائح والمنكرات. ومن أجل ذلك كثر في النصوص القرآنية مثل قول الله تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) وقوله: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وقوله: (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)وقوله: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)وقوله:(وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وفي مقابل ذلك كثر في النصوص القرآنية مثل قول الله تعالى: (وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) وقوله: (وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) وقوله:( فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) وقوله: (إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) وقوله: (إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) وقوله: (وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) وقوله: (وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وقوله: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) وقوله: (إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
وهكذا تتكاثر النصوص القرآنية محددة طريق المحبة الحكيمة العاقلة، ومشيرة إلى أنها موصولة دائمًا بإرادة الخير لمن تحب، ولو كان ذلك يسيئه ويخالف هواه، ومقترنة دائمًا بوجود الكمالات والفضائل.
أما الكراهية الحكيمة العاقلة، فهي لا تتوجه إلا حيث توجد القبائح والرذائل، من عقائد، وأخلاق، وأقوال، وأعمال.