موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين(2- الأصل في خلق المسلم أن يحب الناس جميعًا)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين(2- الأصل في خلق المسلم أن يحب الناس جميعًا)
229 0

الوصف

                                                    المحبة للآخرين

                                 2- الأصل في خلق المسلم أن يحب الناس جميعًا
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الخامس: المحبة للآخرين >>

2- الأصل في خلق المسلم أن يحب الناس جميعًا والكراهية عرض طارئ لأمر يستدعيها

الذي يكشفه التحليل والتبصر في النصوص الإسلامية، أن الأصل في خلق المسلم الذي يعامل به جميع عباد الله هو خلق المحبة لا خلق الكراهية، فالمسلم المؤمن مشرق القلب دائمًا، منفتح القلب لكل عباد الله، ويريد الخير لكل عباد الله.

وإذا أبغض أو كره، فإنما يبغض ويكره الشر والرذيلة والفساد والباطل؛ لأن حبه للحق والصلاح والفضيلة والخير يستلزم حتمًا أن يكره ويبغض أضدادها. وحينما يلتزم أحد عباد الله هذه الأمور، ويدعو إليها، وينصرها، ويسلك سبلها، فإن حب المسلم المؤمن له يدفعه أولًا إلى هدايته؛ لأنقاذه من جحيم هذه الأمور، ثم يدفعه إلى محاولة إخراجه منها ولو باستخدام بعض وسائل العنف التي قد توقظ فكره وضميره لتقبل الحق والخير والفضيلة والصلاح، والاستجابة لدعوة الهداية، وسلوك سبيلها. فإذا هو أصر وعاند ورفض أن يستجيب للحق والخير، فقد أعلن باختياره أنه من جنود الشر والباطل، فكان بذلك مثالًا ماديًّا ذا قوة فاعلة متحركة للشر والباطل والرذيلة والفساد، فاستحق أن يعامل بالكراهية والبغض؛ لأنه غدا وعاءً وقوةً وجسدًا لما يجب أن يقابل بالبغض والكراهية، فبغضه وكراهيته ليسا من أجل ذاته، وإنما من أجل الصفات التي اتصف بها باختياره.

فحينما يبغض المسلم المبطلين، وأهل الشر، ومرتكبي الكبائر من الإثم، ومعادي الحق والخير والفضيلة، فإنما يبغضهم لهذه الصفات التي فيهم، وليس يبغضهم لذواتهم، فهم بالنظر إلى ذواتهم خلق من خلق الله، وعبادٌ من عباد الله، يحب لهم الخير، ويرجو لهم الخير، ويسعى في إصلاحهم، ويشفق عليهم للمصير الوخيم الذي يدفعون أنفسهم إليه، لكنهم لما حملوا الأمراض الوبائية التي حملوها، وتعذر علاجهم؛ لأنهم رفضوا كل وسائل العلاج؛ كان لا بد من معاملتهم بالبغض والكراهية لذلك. ومتى صح أي واحد منهم من مرضه الوبائي الخطير، عاد إلى منزلته الأصلية، وهي منزلة الأخوة، واتجه قلب المؤمن له بالمحبة.

فالخلق الأصلي الذي يعامل به المؤمن جميع عباد الله هو خلق المحبة، لا خلق الكراهية، وبخلق المحبة يريد المؤمن للناس جميعًا أن يكونوا مؤمنين، وأن يكونوا مسلمين؛ لأنه يعلم أن هذا هو سبيل السعادة الخالدة، وهو يحب لكل عباد الله أن يكونوا سعداء، وأن يشاركوه في النعيم المقيم الذي أعده الله للمؤمنين.

وحينما ينظر المسلم إلى أعداء الحق والخير والفضيلة، فإنما ينظر إليهم كما ينظر الطبيب الناصح إلى المرضى بالأمراض الوبائية الخطيرة، فهو لا يدع وسيلة من الوسائل التي تيسر سبل شفائهم إلا ويستخدمها، وحينما يستخدم بعض الوسائل المؤلمة لهم، فليس ذلك ناشئًا عن بغضه لهم، وإنما دعته الضرورة إلى ذلك؛ لأنه لم يجد الوسيلة المجدية التي لا ألم فيها.

إن المؤمن ينظر بالأصل إلى جميع عباد الله نظرة واحدة، ويرى أن كل فرد منهم عضو من أعضاء هذه الوحدة الجماعية الكبرى، وحينما يفسد عضوٌ من الأعضاء فسادًا كليًّا يتعذر إصلاحه، ويمسي فساده منطقة خطر ينتشر منها الفساد إلى الأعضاء الصحيحة، فإن دافع المحبة لجماعة عباد الله تدعوه إلى أن يحمي هذه الجماعة من خطر وباء العضو الفاسد، وهذه المحبة تدعوه إلى أن يقتلع هذا العضو إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وأن يبتره بترًا نهائيًّا من جسم الجماعة، خشية عليها، وصيانة لها، لا كراهية لذات العضو فإن المؤمن أحب ما يحب أن يشفى العضو من وبائه، وينضم سليمًا إلى الجماعة الصالحة السليمة.

ولا يكون المسلم المؤمن بالله أنانيًّا في الدين، فهو لا يريد أن يحتكر الجنة لنفسه، ولا يقول أن عبد الله المختار من دون سائر الناس، وأن الجنة خلقت لي وحدي، أو خلقت لسلالة من الناس بأعيانهم هم أبناء الله وأحباؤه، وإنما يقول ما فهم من دين الله وكتابه: إن الجنة لكل من آمن بالله، ولكل من اهتدى إلى صراطه المستقيم، وآمن بجميع رسل الله وكتبه، والتزم سبيل طاعة ربه.

من أجل ذلك فهو يدعو جميع الناس لاغتنام هذا المجد العظيم والأجر الكبير الذي لا ينقطع، وهو شديد الحرص على أن يشاركه في الجنة كل عباد الله، فالجنة تتسع بفضل الله لكل من يؤمن بالله واليوم الآخر من عباده. أما من اختار لنفسه سلوك سبل الشر، فمن شأن المسلم المؤمن الصادق أن يكره له ذلك، وأن يؤلمه أن يرى أخاه في الإنسانية سالكًا غير سبيل الله، فإن جعل أخوه في الإنسانية نفسه بإرادته شيطانًا آثمًا ظالمًا، وحاملًا لواء الدعوة إلى الشر والضلال، فقد قطع بنفسه أواصر أخوته الإنسانية، وعندئذٍ يجد المسلم نفسه مضطرًا بدافع المحبة إلى مقاتلته، لمنع شره وضره، ومضطرًا أيضًا بدافع المحبة إلى إعلان معاداته لذلك، وبغض ما فيه من شر، وهو في اللحظة التي يصلح فيها ويستقيم ويعلن دخوله في زمرة المؤمنين يحتل منزلة الأخوة القريبة المحبوبة.

إن من يختار لنفسه سبل الضلال وينحاز إلى الذين يحادون الله ورسله، يقطع بإرادته أواصر أخوته للمؤمنين، فلا يكون لهم منه حب ولا ود، ولا يجد من أحدهم له حبًا ولا ودًا، ولو كان بينهما قرابة نسبية قريبة؛ لأن حب الله والحق والخير فوق حب الأشخاص، ومتى تعارضا سقط حب الأشخاص وثبت حب الله والحق والخير، فهو الأحق بالثبات والبقاء، ولا يمكن أن يجتمعا في قلب واحد، ما دام هذا القلب منطقيًّا مع نفسه، لا انفصام ولا ازدواج في ذاتيته، قال الله تعالى في سورة (المجادلة 58):

(لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22))

وسيأتي إن شاء الله مزيد بيان لهذه النقطة.