موسوعةالأخلاق الإسلامية-المحبة للآخرين(1- المحبة للآخرين من الأسس العامة للأخلاق)
الوصف
المحبة للآخرين
1- المحبة للآخرين من الأسس العامة للأخلاق
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الخامس: المحبة للآخرين >>
1- المحبة للآخرين من الأسس العامة للأخلاق
من الأسس العامة التي ترجع إليها مجموعة من الفروع والمفردات الخلقية المحمودة محبة الآخرين.
وذلك لأن انطلاق الإنسان عن دائرة أنانيته الضيقة، إلى دائرة أعم وأشمل، وخروج الإنسان من إطار محبته لنفسه فقط، إلى محبة الآخرين الذين هم في الدائرة الأعم الأشمل، إنما هو ارتقاء خلقي كريم. أما بقاء الإنسان في حدود دائرة أنانيته الضيقة، وانحصاره في إطار محبته لنفسه فقط، دون أن يكون عنده محبة للآخرين أو شعور بمشاعرهم، فهو من دون شك انحطاط خلقي، وانعزال عن الحياة الاجتماعية، ورضىً بأضيق الحدود. وكثيرًا ما يرافق الأنانية الضيقة كراهية الآخرين، وحسدهم وبغضهم، والحقد عليهم؛ لأنهم منافسون أو منازعون أو مشاركون، وكل ذلك مما يؤذي أصحاب النفوس الصغيرة الحقيرة ذات الأنانية الضيقة وهذا مما لا شك فيه قبح خلقي وخسة ودناءة وانحطاط.
إن الشعور بالمحبة نحو الآخرين أصل ترجع إليه مكارم خلقية كثيرة، كالتعاون وإرادة الخير للناس، ومشاركتهم الوجدانية في السراء والضراء، وأن يحب لهم مثلما يحب لنفسه، وأن يعاملهم بمثل الذي يحب أن يعاملوه به.
ومن شأن الشعور بالمحبة نحو الآخرين السلامة من كثير من الأمراض الخلقية الخبيثة، كالحسد، والأثرة، والبغضاء، والشحناء، والغيبة، والنميمة، وإرادة الشر والضر بالناس، والظلم والعدوان، وغير ذلك من رذائل.
إن هذه الأشواك السامة تنبتها شجرة في النفس خبيثة جذرها الأنانية الضيقة، ومحبة الإنسان لنفسه فقط، وجذعها كراهية الآخرين، وفروعها الشيطانية الشوكية السامة كل ما فيه أذى وإضرار بالآخرين.
إن شعور الإنسان بمحبته للناس اتجاه كريم نحو الارتباط بالجماعة، والاندماج فيها، ومشاركتها في السراء والضراء، وانطلاق من مواقع الأنانية الضيقة، فهي الوجه السمح الجميل المشرق للقلوب والنفوس.
أما الكراهية فهي انعزال مقيت في مواقع الأنانية الضيقة، وهي الوجه السمج المخيف المظلم القاتم للقلوب والنفوس.
ما أجمل الحياة بالمحبة! وما أقبحها بالكراهية! إن المحبة لتسعد صاحبها قبل أن تسعد الآخرين، أما الكراهية فإنها تشقي صاحبها قبل أن تمس نارها الآخرين.
المحبة جنة ناعمة وارفة الظلال، تنعم بها القلوب الكبيرة التي تحملها، أما الكراهية في القلوب الدنيئة الحقيرة ذات الأنانية الضيقة فهي نار ذات لهب، تكوي أوعيتها، وتعذب أصحابها.
إن المحبة يرافقها في النفوس طمأنينة، وقناعة، ورضى، أما الكراهية فيرافقها قلق واضطراب، ومطامع ثائرة، وتسخط مستمرٌ على الواقع.
فالذين يحبون الخير للناس يعيشون في سعادة قلبية مستمرة، ضمائرهم رضية، ونفوسهم مطمئنة. أما الذين لا يحبون إلا أنفسهم فهم عن هذه السعادة وراحة الضمير وطمأنينة النفس مبعدون، لقد أبعدتهم قلوبهم الصغيرة، ونفوسهم الحقيرة.
ولذلك جعل الإسلام هذه المحبة عنصرًا من عناصر الإيمان، أو ثمرة من ثمراته، فقد ثبت في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
ومعلوم أن الإنسان لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، حتى يكون عنده شعوره نحو أخيه بالمحبة.
ولدى التأمل نلاحظ أن قاعدة هذا الحديث تصلح أساسًا عامًا للأخلاق الاجتماعية كلها، إذ أن الفضائل الخلقية الاجتماعية كلها يشتمل عليها هذا المنبع الرئيسي: أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث التحابب من عناصر الإيمان، أو ثمرة من ثمراته التي لا بد أن تظهر متى كان الإيمان صحيحًا، فقال:
ولا تؤمنوا حتى تحابوا
أي: فإذا لم يوجد بين المسلمين تبادل المحبة والمودة لم يكن الإيمان في قلوبهم مستكملًا عناصره، وبذلك لا يكونون مؤمنين حقًا، ولا يكونون مؤهلين لدخول الجنة.
فتبادل المحبة بين المسلمين قاعدة من قواعد الإيمان أو أثر من آثاره القلبية، كما أنها أساس عام من أسس مكارم الأخلاق الاجتماعية.
وباستطاعتنا أن نكشف ارتباط محبة الآخرين بالإيمان، حين نلاحظ أن الإيمان في حقيقته ظاهرة من ظواهر خلق حب الحق، والاعتراف به، والإذعان له، وأن هذا الإيمان يستلزم حتمًا محبة الخالق المنعم، ومن محبة الخالق تأتي محبة عباد الله الذين أمر بمحبتهم وموادتهم، فمن صدق في حبه لله أحب بحبه الخير لكل عباد الله، وبهذا نلاحظ الترابط الوثيق بين الإيمان بالله وتوجيه حب القلوب إليه من جهة، وبين الإيمان وتحابب المؤمنين من جهة أخرى، فحلقات الإيمان مترابطة ويلزم عنها لوازم تعتبر متممات لها.