موسوعةالأخلاق الإسلامية-الدافع الجماعي(في العزلة والاختلاط بالناس)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الدافع الجماعي(في العزلة والاختلاط بالناس)
235 0

الوصف

                                                    الدافع الجماعي

                                              في العزلة والاختلاط بالناس
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الرابع: الدافع الجماعي >>

9- في العزلة والاختلاط بالناس

يرى بعض الناس من طلاب الآخرة أن العزلة عن الناس والبعد عن الاختلاط بهم، أفضل عند الله وأحب من مخالطة الناس والدخول في جماعتهم.

ويرى آخرون من أهل العلم خلاف ذلك، فيقول: إن مخالطة الناس، والدخول في جماعتهم، والصبر على أذاهم، والمشاركة في الأعمال الجماعية العامة النافعة، أفضل عند الله وأحب من الاعتزال عنهم والبعد عن الاختلاط بهم.

ولدى النظر في النصوص والمفاهيم الإسلامية الخاصة والعامة تتأكد لدينا الحقائق التالية:

1- أن الإسلام دين جماعي تعاوني، وليس دين انفرادية وعزلة.

2- أن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ويدعوهم إلى الله، ويساعد على فعل الخير ونشر الهدى، خير وأفضل من الذي يعتزلهم فلا يخالطهم، جفوةً لهم، أو عجزًا عن الصبر على أذاهم.

3- أن الذي لا يملك نفسه من الفتنة في دينه إذا هو خالط الناس، لفساد المجتمع، أو لا يستطيع ضبط نفسه عن إيذاء الناس بلسانه أو يده أو غير ذلك إذا هو خالطهم، خيرٌ له وأفضل أن يعتزلهم، فرارًا بدينه، وصيانة لنفسه عن الوقوع في الخطايا.

دل على الحقيقة الأولى ما سبق من بيانات كثيرة تؤكد وحدة المسلمين الجماعية، وتدعو كل مسلم إلى الجماعة وعدم الفرقة.

ودلّ على الحقيقة الثانية ما رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم.

ودل على الحقيقة الثالثة، ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن.

شعف الجبال: أعلاها.

وما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رجل: أي الناس أفضل يا رسول الله؟ قال:

مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله.

قال: ثم من؟

قال:

ثم رجلٌ معتزل في شعبٍ من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره.

وما رواه مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

من خير معاش الناس لهم رجل ممسكٌ عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعةً أو فزعة طار عليه، يبتغي القتل والموت مظانه. أو رجل في غنيمة في رأس شعفةٍ من هذه الشعف، أو بطن وادٍ من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير.

أي حتى يأتيه الموت بعيدًا عن الفتنة في دينه.

فدل هذه النصوص على أن أفضلية العزلة خاصة بمن يخشى على نفسه الفتنة في الدين، أو لا يملك نفسه عن إيذاء عباد الله، فمن كان كذلك كانت العزلة له أفضل من المخالطة، على أن الأصل في المسلم أن يكون بخلاف ذلك، إذ المفروض فيه أن يكون ذا حصانة وذا إرادة قوية، وأن يكون قادرًا على ضبط نفسه حتى يخالق الناس بخلقٌ حسن، هذه هي القاعدة، وخلاف ذلك شذوذ، وأحوال نادرة، تداوى بالعزلة، وهي ترجع إلى ضعف الإنسان عن المقاومة تجاه دواعي الفتنة، أو ضعفه عن ضبط نفسه عن سوء معاملة الناس.

إن الأصل في المسلم أن يكون دائم المجاهدة لنفسه، وللكافرين والمنافقين والفاسقين، متحليًّا بأخلاق الصبر، وقوة الإرادة، وضبط النفس عن مزالق الفتنة والعصيان.