موسوعةالأخلاق الإسلامية-الدافع الجماعي(في حقوق المسلمين بعضهم على بعض)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الدافع الجماعي(في حقوق المسلمين بعضهم على بعض)
274 0

الوصف

                                                    الدافع الجماعي

                                        في حقوق المسلمين بعضهم على بعض
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الرابع: الدافع الجماعي >>

8- في حقوق المسلمين بعضهم على بعض والحث على دعم أواصر الجماعة

(أ) مما ورد في حق المسلم على المسلم:

1- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس.

وفي رواية لمسلم:

حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه.

2- وروى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام".

في هذه الأحاديث ثمانية آداب اجتماعية وظواهر خلقية أمرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبان أنها من حق المسلم على أخيه المسلم:

الأول:
إفشاء السلام، وهو يشمل البدء بالسلام ورد السلام، والبدء بالسلام سنة ورده واجب.

الثاني:
عيادة المريض مواساة له وتسلية لنفسه، وإشعارًا له بأن إخوانه المسلمين مهتمون بأمره، يسألون عنه ويتفقدون أحواله.

الثالث:
اتباع الجنائز، فإذا مات المسلم فمن حقه على إخوانه المسلمين أن يصلوا عليه، ويدعوا له، ويشيعوه إلى رمسه، تكريمًا له، ومواساة لأهله، ومشاركة وجدانية لهم، وعظة بالموت.

الرابع:
إجابة الدعوة، فإذا دعا المسلم أخاه المسلم إلى دعوة طعام أو غيره، فمن حقه عليه أن يجيب دعوته، إلا أن يكون عنده عذر شرعي يعتذر به.

الخامس:
تشميت العاطس، وذلك بأن يدعو المسلم لأخيه المسلم بأن يرحمه الله، إذا سمعه عطس وحمد الله تعالى، فيقول له: يرحمك الله؛ ويرد عليه العاطس بقوله كما جاء في السنة: "يهدينا ويهديكم الله".

السادس:
النصيحة، فإذا استنصح المسلم أخاه المسلم في استشارة فمن حقه عليه أن ينصح له، وكذلك إذا رآه في حالة تستدعي نصيحته، فمن حقه عليه أن ينصحه.

السابع:
إبرار المقسم، فمن حلف على أخيه في أمرٍ يستطيع فعله ولا معصية لله فيه فمن حقه عليه أن يبر قسمه، بفعل ما حلف عليه فيه.

الثامن:
نصر المظلوم، فمن وجد أخاه المسلم مظلومًا، فمن حقه عليه أن ينصره بما يستطيع من قولٍ أو شفاعة أو عمل.

وهذه الحقوق الأخلاقية الاجتماعية من شأن تأديتها أن تؤكد وتوثق الروابط الاجتماعية بين المسلمين، وتمكن المودات في قلوبهم، وهي من ظواهر التواد والتراحم والتعاطف، ومن ظواهر معنى الجسدية الواحدة بين المسلمين.

1- أما إفشاء السلام، فهو أدب من آداب الإسلام الاجتماعية، وقد أمر الإسلام المسلمين به، فالمسلم مطالب بأن يسلم على من عرف من المسلمين ومن لم يعرف، ومكلف أن يرد التحية بمثلها أو بأحسن منها.

ولا يستهين بهذا الأدب ويعرض عن تطبيقه إلا مصابٌ في أخلاقه بمرض الكبر والعجب بالنفس، أو بالأنانية المفرطة التي يبخل معها بعطاء التحية، وعطاء التحية أهون عطاءٍ يبذله الإنسان من لسانه ووجهه.

وهذا الأدب الإسلامي الاجتماعي يمثل أول خيطٍ من خيوط الترابط الاجتماعي، وتكراره يعقد الصلات وينسج المودات.

2- وأما عيادة المريض، فهي من الآداب الاجتماعية الإسلامية، وهي حق من حقوق المسلم على أخيه؛ لأن المريض بحاجة ماسة إلى من يواسيه ويسليه ويتفقد أحواله، ويساعده إذا احتاج إلى مساعدة، ويدعو له بدعوة صالحة عسى أن تكون رقية نافعة يشفيه الله بها.

وهذا الأدب يرتبط بخلق العطاء عند المسلم، وهو يعبر تعبيرًا صادقًا عن مبلغ التآخي بين المسلمين، ويوثق روابط الصلة بينهم، ويزيد من وشائج المحبة، وأواصر المودات، لا سيما إذا لاحظنا أن حالة المريض فيها من الانكسار النفسي ما يجعله رقيق الحاشية، فياض العواطف، مهيأً نفسيًّا للتأثير عليه وامتلاك مشاعر المحبة في قلبه، والمحبة متى وجدت في طرف سرت غالبًا إلى الطرف الآخر بقوة نفاذها وقوة عدواها.

3- وأما اتباع الجنائز، فهو صلة من المسلم لأخيه المسلم موصولة من حياته إلى ما بعد مماته، واتباع الجنائز يلحقها الصلاة على الميت، والشفاعة له عند الله، وهذا أيضًا صلة عظيمة له بخير ما ينفعه بعد موته وهي الدعوة الصالحة، وتعبير صادق مخلص لا رياء فيه ولا سمعة، عن الأخوة الإيمانية التي عقدها الله بين المؤمنين، يضاف إلى ذلك ما في اتباع الجنائز من مواساة لأهل الميت وذويه المصابين بفقده، وهم بحاجة ماسة إلى من يواسيهم ويعزيهم ويصبرهم على مصابهم، ويشاركهم مشاركة وجدانية كريمة، وقد كان الأصل في اتباع الجنائز أن يساهم المشيعون في حملها إلى مثواها من الأرض، وفي حفر قبرها وفي مواراتها ودفنها، وكل هذه أعمال تشارك فيها الجماعة وتساهم بها خدمة إنسانية وتواصلًا بين المسلمين.

ومن شأن هذه الأمور التي يشتمل عليها هذا الأدب من آداب الإسلام، الموصول بالأسس الأخلاقية التي دعا إليها، أن تمكن صلات الأخوة والمودة والتعاطف والتراحم بين المسلمين، وتبرز معاني وحدتهم الإسلامية الكبرى.

4- وأما إجابة الدعوة فهي حق للمسلم على أخيه المسلم أيضًا. إن دعوة المسلم لأخيه المسلم صلة اجتماعية تعبر عن مودةٍ وأخوة، وهذه الصلة تستدعي أن تقابل بالاستجابة، لا بالرفض، والمستجيب يعقد من طرفه حبل الصلة الذي مده إليه أخوه، وقدم من قبله دليله ماديًّا على أخوته ومودته. كما قدم إليه أخوه من قبل الدليل على ذلك بدعوته له.

وحينما يكون المدعو معذورًا ويصعب عليه تلبية الدعوة، فعليه أن يقدم لأخيه عذره ويستسمحه، ولا يجوز له أن يجفو أخاه ويستهين به، فرب جفوة بغير عذر كسرت قلبًا وأحزنت نفسًا، وربما أفسدت ما بين القلوب، فحل التنافر محل التآلف، وحل الخصام محل الوئام، لا سيما إذا كان الجفاء ناشئًا عن استهانة، أو كبر، أو استعلاء شخصي أو طبقي، وعندئذ يكون أشد قبحًا وذمًا، وأكثر إفسادًا للمودات، وتقطيعًا لأواصر الأخوة الإيمانية الإسلامية.


5- وأما تشميت  تشميت العاطس الدعاء له بخير، قال ابن سيده: شمت العاطس وسمت عليه دعا له أن لا يكون في حال يشمت به فيها. وتابع ابن منظور في (اللسان) فقال: والسين لغة عن يعقوب، وكل داعٍ لأحد بخير فهو مشمت له ومسمت، بالشين والسين، والشين أعلى وأفشى في كلامهم. ونقل عن التهذيب: كل دعاء بخير فهو تشميت. وحكي عن ثعلب أنه قال: الأصل فيها السين من السمت وهو القصد والهدى.   العاطس، فهو أدب من الآداب الإسلامية الاجتماعية، وهو ينم عن ذوقٍ رفيع في مجالس المسلمين، إذ يتصيد المسلم أدنى مناسبة ليدعو لأخيه المسلم بدعوة كريمة، وليوجه له كلمة حلوة، يجذب بها من قلبه خيطًا من خيوط العواطف الإنسانية، التي تنسج بها وشائج المودة والمحبة، وتوثق بها روابط الإخاء.

والعطاس ظاهرة طبيعية تتكرر من الإنسان دون أن يملك دفعها، وقد يكون عنوان نشاط قادم بانتفاضة عصبية، وقد يكون ظاهرة لحالة زكام وبرد مرضي مس الإنسان، وعلى أية حال فمن الخير إذا هو حمد الله على ما جرى له أو حمد الله أن سلمه أن تكون مكافأته على حمده لربه توجيه من سمعه أن يدعو الله له، وأعظم دعوة شاملة لجوانب الخير كلها الدعوة له بأن يرحمه الله تعالى.

وحين يتلقى العاطس الدعاء له من إخوانه يشعر في ذات نفسه بأن شركاءه في المجلس قد اهتموا بشأنه، عند هذه العارضة اليسيرة التي عرضت له فدعوا له بالرحمة، فكيف يكون اهتمامهم به إذا هو نابه شيء كبير، وأمرٌ غير يسير، وعندئذٍ يرد لمن دعا له جميلًا بجميل، فيدعو له بأن يهديه الله ويصلح باله. أما الدعوة بالهداية فهي مكافأة كريمة للدعوة بالرحمة؛ لأن من هداه الله فقد هيأ له أعظم أسباب الرحمة. وأما الدعوة بإصلاح البال فهي زيادة بارعة تشير إلى أن سبب البدء بالدعوة بالرحمة انشغال بال الأخ على أخيه، إذ سمعه عطس وحمد الله تعالى، فكأنه يقول له: ولا أقلق الله بالك على نفسك أو أخ أو قريب أو حبيب.

أفنجد أرق تهذيبًا من مجتمع فيه هذه العواطف الكريمة المتبادلة، التي تنتهز لها أدنى المناسبات؟

لكن العاطس إذا لم يحمد الله تعالى لم يكن من حقه على جلسائه أن يشمتوه لأنه لم يراع ما ينبغي له من أدب مع الله في حالته هذه، فسقط حقه بأن يدعو له جلساؤه بالرحمة.

6- وأما نصيحة المسلم لأخيه المسلم فهي ظاهرة خلقية كريمة تعبر عن صدق الأخوة بين المسلمين، وتعبر عن أمانة الرجل وصدقه فيما يخبر به أخاه مما يعلم من وجوه الخير، لا سيما إذا استشاره واستنصحه.

ومن شأن هذا الخلق الكريم أن يعقد المودات بين الناس، أو يزيد في توثيقها، بشرط أن تكون نصيحة صادقة ليس الغرض منها الفضيحة أو الشتيمة أو التعيير والتنقيص، إلا عند بعض النفوس المستكبرة العاتية، على أنها سترضى بعد حين متى شعرت بصدق الناصح وإخلاصه في النصيحة.

والذي يداهن وينافق ويكتم النصيحة قد يظفر بصداقة مؤقتة، إلا أنه ينكشف بعد حين، وتعرف مداهنته، ويظهر أنه لم يكن أخًا وفيًّا ولا صديقًا صادقًا، وإنما كان مداهنًا منافقًا، فيخسر حينئذٍ ما كان من قبل حريصًا عليه.

7- وأما إبرار المقسم، فقد جرى من عادة الناس أن يحلف الأخ قسمًا على أخيه أن يفعل أمرًا أو يترك أمرًا، اعتمادًا على أواصر الأخوة بينهما وعلى تبادل المودة، فيقول له:

والله لتفعلن الأمر الفلاني أو لتتركن الأمر الفلاني.

وهنا يعلمنا الإسلام أن من حق الأخ على أخيه أن يبر له قسمه، فيفعل ما أقسم عليه أن يفعله، ويترك ما أقسم عليه أن يتركه، بشرط أن لا يكون في الأمر معصية أو مخالفة لله تعالى، أو مضرة أو منقصة، فإن كان فيه شيء من ذلك فلا إبرار؛ لأن الإنسان لو أقسم على نفسه أن يفعل شيئًا ثم رأى غير ما حلف عليه خيرًا منه فهو مأمور شرعًا بأن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير.

ومن شأن إبرار المقسم أن يوثق الصلات ويعقد المودات.

وهذا الأدب يرجع عند التحليل إلى مظهر من