موسوعةالأخلاق الإسلامية-الدافع الجماعي(التعاون الجماعي على البر والتقوى)
الوصف
الدافع الجماعي
التعاون الجماعي على البر والتقوى
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الرابع: الدافع الجماعي >>
7- ظاهرة التعاون الجماعي على البر والتقوى
(أ) في التعاون على البر والتقوى بشكل عام:
من ظواهر الروح الجماعية التي غذاها ونماها وأصلها الإسلام في قلوب المسلمين ظاهرة التعاون الجماعي.
إن التعاون الجماعي ينأى بالإنسان عن الانعزالية أولًا، ثم ينأى به نفسيًّا عن الانفرادية وقبائحها الأنانية المفرطة، ويحقق معنى الجسدية الواحدة، ويهيئ المناخ المناسب لإقامة جلائل الأعمال العلمية والتطبيقية.
ولذلك أمر الله تعالى في كتابه بمبدأ التعاون، إلا أنه قيده بأن يكون تعاونًا على البر والتقوى، لا تعاونًا على الإثم والعدوان.
إن الشياطين فيما بينهم، ودعاة الشر والإفساد، والمجرمين، وعصابات اللصوص، وأحزاب الفتنة، ومنظمات الإضلال، كل هؤلاء يتعاون أفرادهم فيما بينهم على الإثم والعدوان، والشر والإفساد، وخراب العمران.
أما تعاون المؤمنين بالله المتبعين لتعاليم الإسلام ووصاياه، فهو تعاون على البر والتقوى في أعمال جماعية نافعة للإنسانية، رافعة لجماعة المسلمين، قال الله تعالى في سورة (المائدة 5):
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2))
ومن التعاون التناجي في السر والمشاركة في الرأي، ولذلك نهى الله عن التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، قال الله تعالى في سورة (المجادلة 58):
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9))
فلم يجعل القرآن ظاهرة التعاون ظاهرة خيرةً، ما لم يكن تعاونًا على فعل الخير، فإذا كان كذلك فالإسلام يأمر به؛ لأنه يكون حينئذ وسيلة لتحقيق خير عظيم ومنافع جسيمة، ويكون تدعيمًا صالحًا للروح الجماعية بين المسلمين، وصارفًا عن الانعزالية والانفرادية اللتين تعمقان في نفس الفرد مشاعر الأنانية المفرطة القبيحة، وتولدان عنده وحشية منفرة، وتنأيان به عن معارج الكمال الإنساني.
وللتعاون مظاهر كثيرة جدًّا، منها التعاون في الفكر، والتعاون في المال، والتعاون في الأجسام والأعمال، والتعاون النفسي والوجداني في الأفراح والأحزان، إلى غير ذلك من أمور كثيرة.
ولذلك حث الرسول صلى الله عليه وسلم على فضيلة التعاون، في مناسبات كثيرة، منها ما يلي:
(أ) قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو تحمل له عليها صدقة، وأمرٌ بمعرف صدقة، ونهيٌ عن منكر صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة.
(ب) وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن أحدكم مرآة أخيه، فإن رأى به أذىً فليمط عنه.
وفي رواية لأبي داود والترمذي
المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عنه ضيعته، ويحوطه من ورائه.
الضيعة: تأتي بمعنيين،
الأول:
الصنعة والحرفة وما يكتسب به الإنسان معاشه ومن ذلك التجارة والأرض الزراعية وغير ذلك،
الثاني:
الضياع المفضي إلى الهلاك والتلف، وهذا المعنى هو الأنسب للمراد، فيكف المؤمن عن أخيه ضيعته بمعنى يدفع عنه الضياع والهلاك.
والحث على التعاون ظاهر جدًّا في عرض هذه الصورة التمثيلية التي جعل الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن فيها مرآة أخيه، فإذا رأى في أخيه أذىً أماطه عنه.
إنه لولا التعاون الجماعي لم تظهر في عالم الناس جلائل الأعمال الكبرى، ما كان منها علميًّا، وما كان منها عمليًّا.
من ذلك سد ذي القرنين الذي حدثنا القرآن عنه، فهو عمل من أضخم الأعمال التي قام بها الناس في العصور القديمة بفضل التعاون.
وقصة ذلك أن الصينيين من سكان البلاد الواقعة من دون موقع السد، اشتكوا للفاتح العظيم المؤمن ذي القرنين، ما تفعله قبائل يأجوج ومأجوج فيهم من إغارات مستمرة عليهم، وإفساد كبير في الأرض، وعرضوا عليه أن يقيم لهم بين مواقعهم ومواقع يأجوج ومأجوج سدًا عظيمًا، تحجر هذه القبائل عن أعمال الإغارة والإفساد، وذلك مقابل أجر يدفعونه له، ووافق ذو القرنين على طلبهم هذا إلا أنه طلب منهم أن يعينوه بقوة، ليقيم لهم هذا السد العظيم، ففعلوا، وأتم ذو القرنين عمله الكبير بفضل التعاون الجماعي. قال الله تعالى في سورة (الكهف 18):
(قَالُوا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98))
زبر الحديد: قطع الحديد.
الصدفان: الناحيتان من الجبل.
القطر: النحاس المذاب.
ومن التعاون الجماعي الشورى، فهي تعاون في مجال البحث الفكري، لذلك أمر الله بها رسوله، وجعل الشورى من صفات المؤمنين.
ومن التعاون الجماعي الزكاة في الإسلام، ولذلك سميت ماعونًا، اشتقاقًا من كلمة المعونة، قال الله تعالى في سورة (الماعون 107):
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (2) وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7))
ويمنعون الماعون: يمنعون المعونة، والزكاة رأس المعونات الواجبة المفروضة.
ومن التعاون الجماعي التيسير على المعسر، وستر الأخ أخاه، وإعارته المتاع، ومؤازرته في أعماله الخيرة أو في حاجاته المباحة شرعًا، ونصيحته في أموره، وإرشاده إلى سبيل السداد، وتعليمه الخير، والشفاعة الحسنة له، روى مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
ومن التعاون الجماعي التواصي بالحق والتواصي بالصبر، قال الله تعالى في سورة (العصر 103):
(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3))
(ب) في التعاون على الخير والدلالة عليه:
روى مسلم عن عقبة بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من دل على خير فله مثل أجر فاعله.
وروى مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا.
وفي حديث المضريين الذي رواه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
وروى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به فيعطيه كاملًا موفرًا طيبة به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به، أحد المتصدقين.
ففي هذه الأحاديث دعوة إلى التعاون على الخير والدلالة عليه، وتحذير من التعاون على الإثم والدلالة عليه.
والتعاون لا يقتصر على الأمور المادية، بل يشمل الأمور المعنوية، فمن ذلك التعاون في الفكر، وفي الجاه، وفي النصيحة، وفي الشفاعة الحسنة، وفي الدلالة على الخير، وفي التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، وفي المشاركة الوجدانية، إلى غير ذلك من أمور كثيرة.
فمن دل على خير كان له عند الله مثل أجر فاعله، وفي هذا تشجيع عظيم على التعاون في الدلالة على فعل الخير.
ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، وفي هذا تشجيع عظيم أيضًا على التعاون على الخير، بدعوة الناس إلى الهدى، ومساعدتهم بالتعليم، وتنشيط هممهم لالتزام طريق الهدى، وشد أزرهم حتى يتغلبوا على نفوسهم وأهوائهم.
ومن سن سنة حسنة كان له مثل أجور من تبعه لأنه أعان بعمله المتباطئين على نفوسهم، فجعلهم يقتدون به، ويعملون مثل عمله منافسة أو غيرة أو اقتداءً حسنًا.
وفي مقابل كل ذلك تأتي الدلالة على الشر، والدعوة إلى ضلالة، والبدء بسنة سيئة، فلهؤلاء من الأوزار مثل أوزار من تأثر بهم واتبعهم.
حتى الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به، فيعطيه كاملًا موفرًا طيبة به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به، هو أحد المتصدقين؛ لأنه أعان الباذل، فنفذ ما أمره به، ولو شاء لاتخاذ المعاذير، وثبط همة الباذل، وشجعه على البخل، كما يفعل كثير من المحاسبين عند أرباب الأعمال، وأمناء الصناديق، إذ يكونون عونًا للشيطان على ما يدعو إليه من البخل بالخير.
(ج) في المعونة بالشفاعة الحسنة:
روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال:
اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء