موسوعةالأخلاق الإسلامية-الدافع الجماعي(العبادات الجماعية)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الدافع الجماعي(العبادات الجماعية)
325 0

الوصف

                                                                الدافع الجماعي

                                                               العبادات الجماعية
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الرابع: الدافع الجماعي >>

5- العبادات الجماعية

صلاة الجماعة في الإسلام من العبادات التي تؤدي وظائف مهمة وعظيمةً من وظائف الروابط الاجتماعية. ولو كان الهدف مجردٌ تحقيق عبادةٍ لله تعالى لتيسر هذا عن طريق العبادات التي يؤديها المسلم منفردًا بينه وبين ربه، ولم يلزم المسلمون بحضور العبادات الجماعية، في صلاة الجماعية اليومية، وفي صلاة الجمعة الأسبوعية، وفي صلاة عيد الفطر، وفي صلاة عيد الأضحى.

وعبادة الحج الذي هو موسم جامع كبير، يفد إليه المسلمون من شتى بقاع الأرض، من العبادات الإسلامية ذات السمة الجماعية، فهي منحصرة في زمانٍ ومكانٍ محددين.

إن هذه العبادات الجماعية المختلفة، قد شرعت في الإسلام على هذه الشاكلة، لتعميق روح الجماعة في قلب كل مسلم، ولتكون مناسبات متكررة تشتد بها الروابط الاجتماعية بين المسلمين.

ومن أجل ذلك كانت صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة.

الفذ: هو المنفرد.

وبلغ من حرص الإسلام على الجماعة في الصلاة اليومية أن همّ الرسول صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت أقوام لا يحضرون صلاة الجماعة، روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلًا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجالٍ لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدكم أنه يجد عرقًا سمينًا، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء.

عرقًا سمينًا: أي عظمًا عليه لحم كثير.

مرماتين حسنتين: يقول أهل اللغة في تفسير المرماة: إنها السهم الذي يرمى به، وقيل: هي أحقر السهام، وتطلق أيضًا على ما بين ظلف الشاة.

والمعنى المراد: أن أقل مطمع دنيوي لو وجد مع حضور صلاة الجماعة في وقت العشاء لكان كفيلًا بجذبكم لشهود هذه الصلاة.

ومن حرص الإسلام على صلاة الجماعة تعميقًا وتدعيمًا للروح الجماعية بين المسلمين، نجد في الفقه الإسلامي أنه لو ترك أهل بلد مسلم صلاة الجماعة، كان من حق المسلمين تحت لواء قائدهم العام أن يقاتلوهم على ذلك؛ لأنهم قد تركوا شعيرة ظاهرة من شعائر الإسلام.

ولما اعتذر الأعمى بأنه لا يجد قائدًا يقوده لشهود صلاة الجماعة، وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرخص له بالصلاة في بيته، أذن له أولًا، ثم دعاه، فقال له:

هل تسمع النداء بالصلاة؟

فقال الرجل: نعم. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:

فأجب.

روى مسلم عن أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال:

هل تسمع النداء بالصلاة؟

قال: نعم. قال:

فأجب.

ومن روائع حرص الإسلام على الجماعة في الصلاة أحكام صلاة الخوف، إذ نلاحظ أن الإسلام لم يفرط بصلاة الجماعة حتى في أزمات الحرب وظروفه القاسية، ما لم يكن القتال ملتحمًا.

ولضمان مصلحة الأمن، مع المحافظة على الجماعة في الصلاة، ذات المضامين النظامية والقيادية والانضباطية، اتخذ الإسلام لصلاة الخوف ترتيبًا آخر، غير الترتيب المتبع في صلاة الجماعة عند الأمن، واهتمامًا بالأمر نزل به تشريع قرآني، ولم يكتف فيه بمجرد البيان النبوي، ففي مناسبة ظروف الخوف من مداهمة الأعداء، يقول الله تعالى في سورة (النساء 4):

(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا (101) وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنْتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (102))

كل هذا الحرص الشديد على الجماعة في حدود الصلاة اليومية، أما صلاة الجمعة الأسبوعية فهي فريضة لازمة على جماعة المسلمين، وحضورها فرض لازم على كل مكلف ذكر، لا عذر عنده من سفر أو مرض أو نحوهما.

أما صلاة عيد الفطر وصلاة عيد الأضحى، فهما تشتملان على دعوة جامعة لعدد أوفر من جماعة المسلمين، ففيهما يجتمع مسلمو البلد الواحد في مصلى العيد، ويجتمع معهم وافدون إليها من القرى القريبة، ويحضر معهم النساء والصغار، حتى اللواتي لا يصلين بسبب أعذارهن المشروعة، وفي هذا الاجتماع العظيم إبرازٌ لمعنى الجماعة في تظاهرة إسلامية كبرى، وتعميق لروح الجماعة في قلوب المسلمين، وفي نفوسهم، وفي كل مشاعرهم الوجدانية.

أما الحج فهو شعيرة دينية فيها تجمع أكبر من الأقطار الإسلامية كلها، يحضره كل مسلم مستطيع ذكرًا كان أو أنثى في العمر مرة واحدة على أقل تقدير.

وهكذا تتكامل تجمعات المسلمين على عبادة الله تعالى منتظمة في حلقات بعضها أكبر من بعض، فالصغيرة منها تكون في كل يوم خمس مرات، والكبيرة نسبيًّا تكون في كل أسبوع مرة واحدة، فيها تعليم وموعظة وصلاة، والأكبر منها تكون في كل سنة مرتين على نطاق البلد الواحد وملحقاته، وفي هذه أيضًا تعليم وموعظة وصلاة، مع تظاهرة إسلامية بالتكبير الجماعي، أما الكبرى والتي تكون على نطاق العالم الإسلامي كله، فتكون في كل سنة مرة واحدة.

وفي كل هذه التجمعات على ألوان من ألوان العبادات في الإسلام، تظهر أهمية النظرة الجماعية في أسس التعاليم والشرائع الإسلامية الربانية.