موسوعةالأخلاق الإسلامية-الدافع الجماعي(حث الإسلام على الجماعة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الدافع الجماعي(حث الإسلام على الجماعة)
259 0

الوصف

                                                      الدافع الجماعي

                                                  حث الإسلام على الجماعة
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الرابع: الدافع الجماعي >>

3- حث الإسلام على الجماعة وتحذيره من الانفراد والانعزالية

ونجد أن الإسلام قد حث على الجماعة، وأمر بلزومها، واتخذ كثيرًا من الوسائل العملية لإنماء الروح الجماعية بين المسلمين، في ظروف السلم والحرب، ونهى عن الفرقة، في نصوص كثيرة، منها النصوص التالية:

1- روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويسخط لكم ثلاثًا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال.

وروى الترمذي بسنده عن عبد الله بن عمر عن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة.

من حديث خطب به عمر بالجابية، وقال الترمذي فيه: هذا حديث حسن صحيح.

2- ووصف الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن بأنه مألف، أي: بأنه يألف ويؤلف، روى الإمام أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

المؤمن مألف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.

فالإنسان الذي لا يألف الناس ولا يألفه الناس لا خير فيه؛ لأنه مفرد في أنانيته، محروم من فضائل الأخلاق التي تحببه إلى الناس وتقربه إليهم.

3- وتعميقًا لوحدة جماعة المؤمنين شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالبنيان يشد بعضه بعضًا، روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا

وشبك بين أصابعه.

ففي هذا الحديث دعوة إلى الوحدة الجماعية بين أفراد المسلمين، وفيه بيان للفائدة العظيمة التي تجنيها الجماعة من وحدتها وتماسكها، إنها القوة التي تظفر بها الجماعة، حينما يترابط أفرادها ويشد بعضهم أزر بعض، إنهم بذلك يكونون شيئًا يشبه البنيان، ألسنا نرى القصر العظيم وما فيه من أبراج عالية مؤلفٌ من حجارة صغيرة جمع بعضها إلى بعض، وعقدت وفق نظام خاص يمنحها مجتمعة قوة عجيبة ترتقي حتى تنطح السحاب؟!

وفي التصوير المادي الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم إذ شبك بين أصابعه -بعد قوله:

كالبنيان يشد بعضه بعضًا

- استخدام للتمثيل الحسي بعد التشبيه الكلامي، لتجسيد الفكرة المعنوية، ووضعها في مثالٍ حسي مشاهد، والفكرة المعنوية هنا هي وحدة الجماعة وقوتها وتماسك أفرادها.

4- وزاد الرسول صلى الله عليه وسلم في تعميق معنى وحدة جماعة المسلمين، إذ أبرز أن كتلتهم الواحدة المتماسكة، وبناءهم المتشابك، بناء تسري فيه روح واحدة وحس مشترك، فمثلهم كمثل الجسد الواحد، الذي تتعاون جميع أعضائه تعاونًا تامًا، وتتشارك جميع أعضائه في الألم وفي المسرة.

روى مسلم عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

المؤمنون كرجلٍ واحدٍ إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله.

وروى البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير أيضًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

ففكرة وحدة جماعة المؤمنين وتماسك بنائهم قد وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم في صورة رجلٍ واحد، فالرجل الواحد جسد ذو أعضاء مترابطة يجمعها عصبٌ واحد، ويديرها فكر واحد، وتحركها عواطف واحدة، وانفعالات واحدة، ويغذيها دمٌ واحد، وتسير جميعًا إلى غاية واحدة، فإذا نزل الألم بالبعض فقد نزل الألم بالكل على سبيل المشاركة، وإذا تمتع البعض بلذة من اللذات، اشترك معه فيها الجميع، بحكم الصلة الوثيقة التي تؤلف وحدة الأحاسيس والمشاعر.

إن الصورة التي شبهت الجماعة المؤمنة بالبنيان الذي يشد بعضه بعضًا، قد أعطت معاني القوة القابلة لبناء مجد رفيع، وعز منيع. أما الصورة الثانية التي شبهت وحدة جماعة المؤمنين برجل واحد، فقد أدخلت عنصر الحياة في البناء الجماعي للمؤمنين، وعنصر الحياة يلازمه الإحساس بالآلام واللذات، وبسائر المشاعر الوجدانية والمشاعر الظاهرة.

ومن خلال هاتين الصورتين الحسيتين نستطيع أن نتصور معاني الوحدة الجماعية التي دعا إليها الإسلام، فهي بناء قابل للارتقاء العظيم، وهي مع ذلك بناء حي ذو أحاسيس ومشاعر ذات آلام وآمال ولذات وأكدار مشتركة.

والرواية الثانية للحديث الذي رواه النعمان بن بشير قد أبرزت عناصر الترابط الجماعي، وهي التواد، والتراحم، والتعاطف، وهذه العناصر هي مشاعر الأخوة الإيمانية، التي توجدها القاعدة الإيمانية وتغذيها وتنميها بتوفيق الله.

ولما كان معنى الجماعة موجودًا في الفرد، كان من قتل نفسًا بغير حق كمن قتل الناس جميعًا، إذ يكون قد تعدى على الناس جميعًا بالقتل، يضاف إلى ذلك أن القاتل من الناحية النفسية مستعد لأن يكون قاتلًا للناس جميعًا، فهو كسارق الدرهم مستعد لأن يسرق القناطير المقنطرة متى تهيأت له الفرصة، وتعلقت مصلحة نفسه بذلك، وفي الدلالة على هذه المعاني قال الله تعالى في سورة (المائدة 5):

(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا .... (32))

من الظاهر الجلي في هذا أن الإسلام يغذي في الأفراد روح الجماعة، ويربي فيهم المشاعر الجماعية، ويخفف من مشاعر الأنانية الفردية الضيقة.

ومثل النفس المرتبطة بالدائرة الجماعية كل حقوق الأفراد، وما يملكون، لها في المفهوم الإسلامي امتداد جماعي، ولذلك جعل الإسلام أموال الأفراد مشمولة بمعنى من معاني حق الجماعة فيها، فمن ذلك قول الله تعالى في سورة (البقرة 2):

(وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188))

فجعل في الملكية الفردية معنىً جماعيًّا، يصح به اعتبار أموال الأفراد أموالًا للكتلة الجماعية، ولكن التصرف والانتفاع يتبع حق الملكية الفردية.

وأوضح من هذا ما جاء من تعبير بالنسبة إلى أموال السفهاء، إذ أبان الله فيها معنى امتداد الحق إلى الجماعة؛ لأن صيانة أموال الأفراد صيانة للثروة الجماعية، فقال الله تعالى في سورة (النساء 4):

(وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (5))

ونظيره قول الله تعالى في سورة (الحجرات 49):

(وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ .... (11))

ومعلوم أن الإنسان لا يلمز نفسه، وإنما يلمز غيره، ولكن لما كان المعنى الجماعي معنىً ساريًا في كل الأفراد كان من يلمز أخاه كمن يلمز نفسه؛ لأن له نصيبًا من مضرة ما فعل، بوصفه جزءًا من الجماعة التي آذى بعض أفرادها، فسرى الإيذاء إلى الجماعة كلها.

وتابع الإسلام عملية غرس الروح الجماعية في نفوس أفراد المؤمنين، وتربيتهم على الإحساس الدائم بالمشاعر الجماعية، فلا نكاد نجد مناسبة ملائمة إلا وللإسلام فيها عمل من ذلك.

5- ولتغذية روح الجماعة في المسلمين أقام الإسلام مناسبات دينية كثيرة قائمة على الجماعة، وحث المسلمين على شهودها، وشدد النكير على من يتخلف عنها، من أهمها صلاة الجماعة.

أخرج النسائي وابن ماجه عن أبي الدرداء، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:

ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة (أي صلاة الجماعة) إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية.

أي إنما يأكل الذئب المبتعدة من الغنم عن أخواتها، وفي هذا بيان للسبب الذي دفع إلى التحذير من الانفراد والبعد عن جماعة المؤمنين، فالمبتعد عن جماعة المؤمنين يعرض نفسه لذئاب الشر، وشياطين الإفساد الذين يغوونه ويضلونه.

حتى في الطعام فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بأن يجتمعوا عليه ليبارك الله لهم فيه، روى الترمذي عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع قال:

فلعلكم تفترقون

قالوا: نعم. قال:

فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله، يبارك لكم فيه.

6- وحين يعتذر بعض الانعزاليين، بأنهم يريدون أن يسلموا من أذى الناس، الذي قد يتعرضون له عند مخالطتهم، يأتيهم البيان النبوي فيثبت لهم أن الذي يصبر على أذى الناس خيرٌ من الذي يرغب بالسلامة فيعتزل عنهم؛ لأن الإسلام يريد من المسلمين أن يكونوا كتلة جماعية ذات قوة، ويريد من الفرد المسلم أن يكون على مستوىً من الأخلاق رفيع، يستطيع به أن يصبر على أذى الناس، ويحسن معاملتهم مع مخالطتهم، ويكف أذاه عنهم وهو مندمج فيهم، روى الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم.

7- ومن أهم واجبات الأمة الإسلامية، لربط جماعتهم، وتوحيد قيادتهم، أن يكون لهم إمامٌ يسوسهم، وينظم عقدهم، ويحافظ على جماعتهم، ويبعد عنهم عوامل التفرق.

ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعة الأمراء مهما كان أصلهم وعرقهم ووضعهم الاجتماعي، متى توافر فيهم شرط الإسلام والأهلية للإمارة، روى البخاري عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشيٌّ كأن رأسه زبيبة.

أي: شعر رأسه متجعد قصير كالزبيبة. أو رأسه كله في لونه وتجعده كالزبيبة.

ويشترط لوجوب السمع والطاعة أن يحكم المسلمين ويقودهم بكتا