موسوعةالأخلاق الإسلامية-الدافع الجماعي(الدافع الجماعي من الأسس العامة للأخلاق)
الوصف
الدافع الجماعي
الدافع الجماعي من الأسس العامة للأخلاق
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الرابع: الدافع الجماعي >>
1- الدافع الجماعي من الأسس العامة للأخلاق
من الأسس العامة التي ترجع إليها مجموعة من الفروع والمفردات الخلقية المحمودة الدافع الجماعي، أو الجماعية.
ويأتي في مقابل هذا الأساس الخلقي خلق الأنانية والانفرادية أو الانعزالية، الذي ترجع إليه مجموعة من النقائص الخلقية في السلوك الإنساني.
والدافع الجماعي (أو الجماعية) شعور الفرد بأنه جزء من جماعة هو عضو من أعضائها، أو خلية من خلاياها، مع شعوره بأنه محتاج إليها، فهو يحب الجماعة ويلزمها، ويكره الانفراد والانعزال، ولا يستطيع الاستمرار في الوحدة.
ولدى إمعان النظر في معظم الرذائل الخلقية الاجتماعية نلاحظ أنها نابعة من منابع الأنانيات المختلفة، ولدى إمعان النظر في كثير من الفضائل الخلقية الاجتماعية نلاحظ أنها ترجع إلى ما لدى الفرد من جماعية. فما من فضيلة يتعدى نفعها وخيرها للآخرين إلا وفيها عنصر التخلي عن أنانية من الأنانيات الفردية الشخصية، والعامل الخلقي الذي يدفع إلى هذا التخلي هو الدافع الجماعي، أي: شعور الفرد بأنه جزء من الجماعة، فهو يحب للأجزاء الأخرى مثل ما يحب لنفسه.
ومما لا ريب فيه أن الدافع الديني الذي يدفع الإنسان إلى ابتغاء مرضاة ربه دافع يدعم الجماعية، ويقوم مقامها ويؤدي وظائفها إذا انعدمت في الفرد.
ويميل الفرد الإنساني إلى الجماعة ويجد في نفسه الرغبة الملحة للالتقاء والاندماج في طائفة من الناس؛ لأن كثيرًا من مطالب حياته، وحاجاته الجسدية والنفسية والفكرية، لا تتم إلا عن طريق الجماعة، كالأنس بالجماعة، والشعور بالأمن والطمأنينة معها، والتماس مناصرتها، والتقوي بها، وتعاونه معها في تحقيق شتى مطالب الحياة، وتبادله معها المكتسبات العلمية والمنجزات الحضارية.
أفيريد الفرد أن يأنس بالجماعة دون أن يعطيها منه أنسًا؟ أفيريد أن يأخذ منها الأمن والطمأنينة دون أن يعطيها من نفسه وسلوكه مثل ذلك؟ أفيريد أن يلتمس عندها القوة وشد الأزر، دون أن يدفع من قوته لصندوق القوة العام مقدارًا يناسب مستوى مساهمته في الجماعة ويناسب قدر نصيبه من القوة الجماعية؟
إن الحق والعدل يقضيان بأن كل أخذ لا بد أن يكون له ثمن من عطاء.
وعطاء الأنس والأمن والطمأنينة والقوة وشد الأزر والمعونة من مفردات مكارم الأخلاق.
أما الأنانية الانعزالية فإنها لا تعطي من نفسها للآخرين أي عطاء، ولا تنبع عنها أية فضائل اجتماعية.
ومن مطالب الفرد التي لا تتحقق له إلا عن طريق الجماعة، حاجته النفسية إلى المحبة، وحاجته النفسية إلى التقدير، وحاجته إلى المعونة والمساعدة في معظم شؤون حياته، ومنها حاجات عضوية أخرى للفرد لا تتم إلا مع غيره. كل هذه الأمور تولد في نفس الفرد الميل إلى الجماعة، والرغبة الملحة بالاندماج فيها أو الالتقاء معها، وهذه الحاجات التي يريد من الجماعة أن تقدمها له لا يظفر بها ولا يستطيع أن يحافظ عليها ما لم يقدم هو من نفسه للجماعة أثمانها.
إن ثمن محبة الآخرين له إنما يكون بالتودد لهم، وبإكرامهم، وبالتضحية من أجلهم، وبحسن معاشرتهم ومعاملتهم بكثير من فضائل الأخلاق. وثمن تقدير الآخرين له إنما يكون باكتساب الكمالات والفضائل المختلفة، وأهمها فضائل الأخلاق ومحاسن الآداب. وثمن معاونة الآخرين له معاونته لهم. وثمن مساعدتهم له مساعدته لهم، وهكذا إلى سائر حاجات الفرد التي لا تتم له إلا عن طريق الجماعة.
وبدهي أن هذه المبادلات الاجتماعية الكريمة التي لا تنظمها عقود البيع والشراء، مشمولة بعنوان فضائل الأخلاق الاجتماعية، وقد ظهر لنا أن الدافع الجذري الخلقي لها هو الجماعية.
فالدافع الجماعي (أو الجماعية) أساس جذري تنجم عنه مجموعة من مفردات مكارم الأخلاق.
وإذا كانت الأنانية المفرطة الجانحة خلقًا إنسانيًّا مهينًا، فإن الغيرية أو الجماعية خلق إنساني كريم.
وللأنانية المفرطة الجانحة ظواهر سلوكية كثيرة كلها مشمولة بعنوان رذائل الأخلاق.
وللغيرية أو الدافع الجماعي ظواهر سلوكية كثيرة مشمولة بعنوان فضائل الأخلاق.