موسوعةالأخلاق الإسلامية-قوة الإرادة(ملك النفس عند الغضب)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-قوة الإرادة(ملك النفس عند الغضب)
264 0

الوصف

                                                     قوة الإرادة

                                              ملك النفس عند الغضب
             الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الثالث: قوة الإرادة >>

12- ملك النفس عند الغضب

ومن ظواهر قوة الإرادة ملك النفس عند الغضب، وقد مجد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الظاهرة الخلقية.

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.

والصرعة: هو بطل المصارعة، الذي يغلب مصارعيه وينتصر عليهم، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن بطل المصارعة ليس هو في الحقيقة الذي يستحق أن يقال عنه الرجل الشديد، وإنما الذي يستحق هذا الوصف هو قوي الإرادة، ذو الرصانة الخلقية، الذي يملك نفسه عند مثيرات الغضب، فهذا هو الشديد حقًا؛ لأنه استطاع أن يغلب أقوى الدوافع في نفسه بقوة إرادته وسمو خلقه، ومتى كان الإنسان قادرًا على أن ينتصر على أقوى دوافعه الداخلية فيه، فهو على ما دون ذلك أقدر، وله أملك وأغلب.

وفي مثل هذا يبرز ارتقاء الإنسان في سلم الكمالات الحقيقية، أما ذو العضلات القوية، والدربة في مصارعة الأقوياء، والتغلب عليهم جسديًّا، فلا يزيد على أنه حيوان قوي قد يصرعه ثور، وقد يخدعه ثعلب، وقد يفترسه نمر، وقد يبتلعه حوت، وقد تطرحه لدغة عقرب، وقد تقتله بعوضة.

والغضب المطلوب كفه هو ما كان غضبًا للنفس، أما الغضب لله، فهو أمر حسن ينبع من منابع الإيمان لا من منابع النفس وما يسوؤها من أمور الدنيا. والغضب لله هو ما يكون من المؤمن إذا انتهكت حرمة من حرمات الله، بارتكاب معصية من المعاصي مع المجاهرة وعدم المبالاة.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حليمًا في أمره كله، وكان لا يغضب ولا ينتقم لنفسه، ولكن كان إذا عصي الله أمامه أو انتهكت حرمة من حرماته غضب لله، وانتقم لله.

بيد أن إظهار الغضب لله يجب أن يكون مقترنًا بالحكمة التامة التي تحقق إزالة المنكر من جهة، وإصلاح حال العصاة من جهة أخرى، وقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أساليب الحكمة المختلفة، والتي يناسب كل منها حالًا من الأحوال، ولدى البحث واستقصاء الأحوال والظروف نجد أن إظهار الغضب في مواجهة بعض العصاة قد يسيء إلى غاية الإصلاح، وقد يجعلهم يتمادون في الغي، فلا يكون ذلك واعظًا لهم ولا مصلحًا، وفي مثل هذه الأحوال قد لا يحسن إظهار الغضب، بل يحسن الرفق والنصيحة الحسنة والدعوة إلى الله بحكمة، أو يحسن الإعراض إذا كان المسيء من الجاهلين، وكذلك كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان إذا واجه أهل الكفر وهم متلبسون بأعمال كثيرة كل واحد منها فيه انتهاك لحرمات الله، لم يقابلهم ولم يواجههم بالغضب والعنف، ولكنه كان يبدأهم بالدعوة إلى الله وإلى الإيمان به وحده، ويبين لهم الأسس الأولى للإسلام، أما إذا رأى مؤمنًا أو جماعة مسلمة قد انتهكوا شيئًا من حرمات الله، فحينئذ كان يغضب لله ويشتد غضبه مع أهل القرب والطاعة، ويخف مع غيرهم، ومهما رق إسلام الرجل كان رفق الرسول في دعوته أكثر، وكان إظهار الغضب من عمله أخف.

وهذا ما توجبه أساليب الحكمة في الدعوة إلى الله، والتي أرشد إليها قول الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)

فعلى الداعي إلى الله أن يزن المواقف بميزان العقل والحكمة، ويعطي كلًا منها ما يلائمه، ويتخذ من الوسائل ما هو أقرب إلى تحقيق غاية الإصلاح.


ومن مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم التي فيها شيء من الشدة غضبًا لله تعالى، موقفه مع عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حينما دخل عليها فرأى أنها سترت مقدمة بيتها بقرام  بقرام: القرام ستر رفيق.   فيه تماثيل، هتكه وتلون وجهه، وقال:

يا عائشة أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله.

(رواه البخاري ومسلم عن عائشة).

فقد كان هذا الموقف الذي فيه شيء من العنف وإظهار الغضب مع عائشة أم المؤمنين، ولم يكن مع إنسان رقيق الإيمان هو بحاجة إلى تثبيت إيمانه، قبل إصلاح مظاهر سلوكه، فحاله يدعو إلى التلطف معه في الدعوة والنصح والإرشاد.

ونظير هذا الموقف النبوي شدة الرسول صلى الله عليه وسلم على أسامة وعلى من دفعه إلى الشفاعة في المرأة المخزومية التي سرقت، فأسامة حب رسول الله وابن حبه، ومن فتيان الإسلام الصادقين، والذين دفعوه إلى الشفاعة في المرأة السارقة شيوخ من كبار المؤمنين القرشيين، ولذلك اشتد الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم في التأنيب.