موسوعةالأخلاق الإسلامية-قوة الإرادة(قوة الإرادة من الأسس العامة للأخلاق)
الوصف
قوة الإرادة
قوة الإرادة من الأسس العامة للأخلاق
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الثالث: قوة الإرادة >>
1- قوة الإرادة من الأسس العامة للأخلاق
من الأسس العامة التي ترجع إليها مجموعة من الفروع والمفردات الخلقية المحمودة قوة الإرادة.
ويأتي في مقابل هذا الأساس الخلقي خلق ضعف الإرادة، الذي ترجع إليه مجموعة من الرذائل الخلقية في السلوك الإنساني.
إذا كان الإنسان يمثل مملكة كاملة، فهذه المملكة تشتمل على سلطة تشريعية، وسلطة تنفيذية، وجمهورٍ هو رعية، وهيئة وعظ وإرشاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر.
أما السلطة التشريعية في مملكة الإنسان السوي فيمثلها الفكر، إذ يقوم بوظيفة التنبيه والإرشاد وإصدار الأحكام التوجيهية، وإعطاء قوانين الإدارة والسلوك في هذه المملكة، ويستمد الفكر ما يبته من أحكام من عدة مصادر، من الحكمة الفكرية التي فطر الله العقول عليها، ومن الواقع التجريبي، ومن المعارف التي توصل إليها الناس من قبل، ومن الشرائع الربانية.
وأما السلطة التنفيذية في مملكة الإنسان السوي فتمثلها إرادته، وإنها تملك هذه السلطة متى كانت قوية حازمة عاقلة. أما إذا كانت ضعيفة فإنها تتخاذل وتستكين وتخضع لأهواء الجمهور، أو يستبد بها ذو قوة من أفراده، أو يسيرها شخص آخر ذو إرادة قوية، استطاع أن يفرض سلطانه عليه.
وأما الجمهور في مملكة الإنسان فهو جمهور الأهواء والشهوات والغرائز النفسية، ولكل فرد من أفراد هذا الجمهور مطالب عاقلة صالحة، ومطالب رعناء فاسدة مفسدة، ولا يصح في منطق العقل والواقع تلبية مطالب كل فردٍ من أفراد هذا الجمهور؛ لأن ذلك يدفع بمملكة الإنسان إلى الفساد والفوضى والخراب. لذلك كان على الإرادة الحازمة العاقلة أن تلبي من هذه المطالب ما تأذن السلطة التشريعية بتلبيته، وأن ترفض منها ما لم تأذن السلطة التشريعية به، لما فيه من ضر، أو شر، أو أذى، أو مخالفة لأوامر الله ونواهيه.
فالمفروض في الإرادة داخل مملكة الإنسان السوي أن تأتيها الأحكام والتعليمات والتوجيهات والقوانين من الفكر، وأن تقوم هي بدور سلطة الأمر التنفيذي.
وعلى مقدار استقامة الإنسان في سلوكه نستطيع قياس مقدار قوة إرادته.
وعلى مقدار انحراف الإنسان في سلوكه وتخبطه مع أهوائه وشهواته ونزواته وغرائزه نستطيع قياس مقدار ضعف إرادته، وإن وجدناه فيما يتصل بأهوائه وشهواته ومطامعه جادًا وحازمًا؛ لأن أهواءه وشهواته ومطامعه وغرائزه ونزواته هي التي ركبت إرادته، وجعلت تسوقها إلى تحقيق مطالبها، مسخرة كل طاقاته، ومنفقة كل أوقاته في ذلك.
إن مطالب الجمهور داخل مملكة الإنسان قد تتوافق، وقد تتعارض، وقد تكون مصلحة الإنسان الكبرى في رفض بعضها؛ لأنها عمياء رعناء لا حدود لها، ولها عواقب مفسدة وضارة، وحكمة السلطة التنفيذية وكمال عملها الإداري إنما يكونان بالقدرة على التحكم في الموافقة على تلبية المطالب أو رفضها ضمن حدود المصلحة الكبرى، وضمن حدود الخير، وعلى وفق ما تمليه السلطة التشريعية التي هي بمعزل عن الاتهام بالسعي وراء مصلحة خاصة ضد مصلحة الجمهور، فهي منه وهو منها.
وحين تنبح بعض الأهواء والشهوات والغرائز الجانحة في داخل مملكة الإنسان، وتلح متظاهرةً عليه، فإن الإرادة القوية الحازمة تسكتها بما لا ضر فيه ولا أذى مما أذن الله به. فإن استزادت وأرادت التجاوز إلى ما حرم الله مما فيه ضر أو أذى أو معصية لله، أسكتتها الإرادة القوية العاقلة الحازمة بالكبح والصد، واتخذت كل الوسائل التربوية الحكيمة لحسم العلة ومداواة الداء. والإرادة القوية العاقلة الحازمة لا تكون في مثل هذه الحالة مفرطة في ديمقراطيتها تجاه جمهور الأهواء والشهوات والنزوات والغرائز الجاهلة الشرهة الرعناء. وحين يستبد الجمهور أو بعض أفراده بتوجيه السلطة التنفيذية فعلى مملكة الإنسان السلام، إذ تعمها الفوضى ويسودها الفساد والخراب، ثم الدمار.
وأما هيئة الوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مملكة الإنسان السوي فيمثلها الضمير، وواعظ الله في قلب المؤمن.
الضمير مرآة النفس الإنسانية تبث للإنسان صور الخير والفضيلة، فتذكره بها، وتلمس مشاعره الداخلية محرضة لها على فعل الخير والفضيلة، واجتناب الشر والرذيلة، وليس له سلطة تنفيذية، وإنما له قوة التأثير الوجداني، وعنده انشراح الرضا، أو وخزات التلويم والتثريب.