موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها(أبواب من الظلم بأكل أموال الناس بالباطل)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها(أبواب من الظلم بأكل أموال الناس بالباطل)

الوصف

                                                    الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها

                                                      أبواب من الظلم بأكل أموال الناس بالباطل
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الثاني: الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها >>

5- أبواب من الظلم بأكل أموال الناس بالباطل

(أ) مقدمة عامة:

لما كان أكل أموال الناس بالباطل من فروع ظلم الناس للناس، فقد جعله الله من كبائر المحرمات، وشدد الرسول صلى الله عليه وسلم فيه تشديدًا عظيمًا.

قال الله تعالى في سورة (النساء 4):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا (30))

وقال الله تعالى في سورة (البقرة 2):

(وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188))

فقد رتب الله على أكل أموال الناس بالباطل وعلى قتل الأنفس أنه من يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف يصليه الله نارًا.

وخطب الرسول صلى الله عليه وسلم خطبته المشهورة في حجة الوداع فقال فيها:

إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا

من حديث طويل رواه مسلم عن جابر بن عبد الله وفيه قصة حجة الوداع.  

وثبت في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:

كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه.

وروى البخاري ومسلم عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين.

وروى مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا يحلبن أحدٌ ماشية امرئٍ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن يؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه؟ وإنما يخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم.

مشربته: غرفته التي يخزن فيها الطعام وغيره. فشبه الرسول صلى الله عليه وسلم ضروع مواشي الناس بمخازن أطعمتهم التي يحرم أخذ شيء منها إلا بإذن أصحابها، واعتبر ذلك من نوع السرقة.

وروى البيهقي في (شعب الإيمان) والدارقطني في (المجتبى) عن أبي حرة الرقاشي، عن عمه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ألا لا تظلموا، ألا لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه.

  مشكاة المصابيح رقم الحديث (2946).  

وروى الترمذي عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ومن انتهب نهبةً فليس منا.

وروى البخاري عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من أخذ من الأرض شيئًا بغير حقه، خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين.

ولعل هذا يفسر معنى يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين، الواردة في الحديث السابق.

(ب) الربا:

ومن أكل أموال الناس بالباطل –وهو من الظلم الذي يتواضع الناس على الاعتراف به واتخاذ صيغ قانونية له، على خلاف شريعة الله- أكل الأموال عن طريق الربا المحرم في دين الله.

وقد سماه الله ظلمًا، فقال تعالى في سورة (البقرة 2):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279))

وكان هذا النص آخر نص نزل في تحريم الربا كله قل أو كثر، وأبان الله فيه أنه ظلم، فقال: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)

وروى مسلم عن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال:

هم سواء.

وروى الإمام أحمد وابن ماجه والبيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل.

أي: إلى قلة.

وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت، فيها الحيات، ترى من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا.

(ج) الغش:

ومن أكل أموال الناس بالباطل –وهو من الظلم- أكل المال عن طريق الغش.

وللغش أنواع كثيرة وصور شتى، ترجع معظمها إلى المخادعة بإظهار شيء وإخفاء خلافه في باطنه، ومن ذلك الكذب في التعريف بالشيء فيعرف الرديء بأنه جيد، وذو السعر الرخيص بأنه من الصنف ذي السعر الغالي.

ومن الغش دس الرديء في ثنايا الجيد، وبيعه جميعًا بقيمة الجيد، دون بيان الواقع والحقيقة.

ومن الغش أن يقول البائع: اشتريته بكذا، ليخدع المشتري فيرضى بأن يربح عليه مقدارًا من المال، مع أن البائع كان قد اشتراه بأقل مما ذكر.

فكم يخلط التجار السمن الرديء بالسمن الجيد ويبيعون الجميع على أساس أنه من السمن الجيد، ويخلطون الزيت الرديء بالزيت الجيد ويبيعون الجميع بقيمة الزيت الجيد.

ونظير ذلك يفعلون في سائر الأطعمة، وفي الأقمشة، وفي الأثاث، وغير ذلك.

وعند البنائين والمهندسين ألوان من الغش، وعند الأطباء والصيادلة ألوان من الغش، وعند المعلمين ألوان من الغش، وعند الصناع ألوان من الغش، وعند العمال ألوان من الغش.

وكل أنواع الغش لابتزاز الأموال ترجع إلى أنها صورة ماكرة من اللصوصية، مقنعة بأقنعة تعامل في عقود مشروعة بحسب ظاهرها، ولكن كل مال يكتسبه الإنسان عن طريق الغش هو مال حرام، وهو سحت، وظلم، وهو من أكل أموال الناس بالباطل.

وقد أبان الرسول صلى الله عليه وسلم أن من غش المسلمين فليس منهم.

روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا.

وروى مسلم عن أبي هريرة أيضًا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللًا، فقال:

ما هذا يا صاحب الطعام؟.

قال: أصابته السماء يا رسول الله.

قال:

أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟! من غشنا فليس منا.

صبرة طعام: كومٌ من طعامٍ بُرٍّ أو شعير أو نحو ذلك.

(د) الاحتكار:

ومن أكل أموال الناس بالباطل –وهو من الظلم- إغلاء الأسعار عن طريق الاحتكار، لابتزاز أموال الناس بافتعال قلة العرض مع وجود كثرة الطلب.

إن التجارة في الأصل نظام شرعه الإسلام وأذن به لتسهيل مصالح الناس، والربح الذي يأخذه التاجر إنما هو تعويض لخدماته التي يقوم بها في تسهيل مصالح ذوي الحاجات، بتسخير ماله، وبتسخير قدراته الفكرية والجسدية.

فإذا احتكر التاجر ما لديه من سلع، أو احتكر مجموعة من التجار ما لديهم من السلع، بأي لون من ألوان الاحتكار الخاص أو العام، فقد خالفوا أصل هذا النظام، والغاية منه، وألجأوا أصحاب الحاجات إلى قبول أخذ السلع المحتكرة بأكثر من أثمانها الحقيقية.

إن المال الذي يؤخذ زيادة على الربح المقبول عرفًا والذي يحصل بسبب الاحتكار مالٌ يؤخذ بالباطل، إذ هو ليس مقابل خدمات تجارية صحيحة، ولم يؤخذ بالرضا الحقيقي من قبل المشترين، وإنما ألجئوا إلجاءً لدفع القيم الزائدة لضروراتهم وحاجاتهم؛ وقد استغل المحتكرون ظرفًا ملائمًا للاستغلال، أو سلطة من السلطات حصرت توريد البضاعة في أيديهم، ولم يأتِ ارتفاع السعر أمرًا طبيعيًّا دون عمل مفتعل دبره المحتكرون بمكر شيطاني.

وقد تتسع دوائر الاحتكار حتى تكون دولية كبرى تديرها مؤسسات عالمية لها فروع وأجراء وعملاء في معظم دول العالم.

فالمحتكرون من التجار يخونون العمل الذي أطلقت أيديهم فيه، ويخونون أماناتهم، ويخلون بالغاية من نظام التجارة، فما يأكلونه من مالٍ بسبب الاحتكار إنما يأكلونه بالباطل.

وليس للمحتكرين أن يقولوا: إنما هي تجاراتنا، ونحن فيها أحرار نصنع ما نشاء، وليس لأحد أن يجبرنا أن نبيع ما نملك من سلع، وذلك أن الله الذي منحهم حق الربح العادل في التجارة مقابل جهدهم، هو الذي حرم عليهم الاحتكار وهو الذي حرم عليهم أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل.

وقد أبان الرسول صلى الله عليه وسلم أن المحتكر خاطئ، أي مذنب عاصٍ، وأنه ملعون، وأنذر محتكري الطعام بالجذام والإفلاس، وبأنه يبرأ من الله ويبرأ الله منه.

روى مسلم عن معمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من احتكر فهو خاطئ

أي عاصٍ.

وروى ابن ماجه والدارمي عن عمر بن الخطاب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون.

وروى ابن ماجه والبيهقي في (شعب الإيمان) عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس.

وروى رزين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من احتكر طعامًا أربعين يومًا يريد به الغلاء فقد برئ من الله وبرئ الله منه.

وروى البيهقي في (شعب الإيمان) عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

بئس العبد المحتكر، إن أرخص الله الأسعار حزن، وإن أغلاها فرح.

(هـ) الميسر:

ومن أكل أموال الناس بالباطل –وهو من الظلم- أكل أموال الناس عن طريق الميسر، وهو القمار بكل أنواعه وأشكاله وصوره.

وقد وصف الله الميسر بأنه رجس من عمل الشيطان، فقال تعالى في سورة (المائدة 5):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء....)