موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها(حسن معاشرة النساء)
الوصف
الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها
حسن معاشرة النساء
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الثاني: الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها >>
حسن معاشرة النساء:
ومن ظواهر خلق الرحمة حسن معاشرة النساء؛ لأنهن بحسب ما فطرهن الله عليه ضعيفات، ولذلك أوصى الإسلام بالنساء خيرًا، وأمر بإكرامهن والإحسان إليهن، والصبر على عوجهن، ورحمتهن، والعطف عليهن، وعدم ظلمهن.
والنصوص التي توصي بالنساء خيرًا متعددة، منها ما يلي:
1- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإذا ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا.
وفي رواية عند مسلم:
وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها.
فأبان الرسول صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع، أي: عوجاء: لأن الضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، وأعلى ما في المرأة رأسها، وموطن تفكيرها، وأوهامها، وتصوراتها.
وإذا كان هذا من طبعها الذي فطرت عليه للغاية التي خلقت من أجلها، كان من واجب الرجل أن يصبر عليها، ويتحمل منها آثار عوجها الفطري في السلوك.
2- وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر.
لا يفرك مؤمن مؤمنة: أي لا يبغض مؤمن مؤمنة. يقال لغة: فركت المرأة زوجها تفركه: إذا أبغضته وكرهته. وفرك الرجل زوجته يفركها: إذا أبغضها وكرهها.
وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على جانب من جوانب الواقع الإنساني، وهو أن كل إنسان فيه جوانب ترضي وفيه جوانب لا ترضي، والعاقل هو الذي لا يوجه نظره وإعجابه إلى ما يرضيه ممن يخالطهم، ويغضي عما لا يرضيه منهم؛ فإن كان مما يمكن معالجته وإصلاحه عمل على تهذيبه بالتربية الحسنة، وبذلك يعيش راضيًا سعيدًا، وبذلك يستطيع أن يكف نفسه وقلبه عن الكراهية والبغض، ويتعايش مع الآخرين بالرضا والتسامح. وهكذا يستطيع الرجل أن لا يكره زوجته، وإن كان فيها من الأخلاق أو الصفات ما لا يعجبه.
3- وأوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء في خطبته في حجة الوداع، فجاء فيها:
ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوانٍ عندكم.
أي هن تحت أيديكم بمثابة الأسيرات، وكلمة: "عوان" على وزن "فواعل" جمع عانية، والعانية هي الأسيرة، والعاني هو الأسير.
4- ومن المقاييس التي نبه الرسول صلى الله عليه وسلم عليها لمعرفة خيار الناس، معاملة الرجل لنسائه، فمن كانت معاملته للنساء حسنة كان من خيار القوم، ومن لم تكن معاملته كذلك لم يكن من خيارهم، بل إما أن يكون من حشو الناس، وإما أن يكون من شرارهم.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم
رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
والسبب في ذلك أن الإنسان مع أهله ينطلق على سجيته، ومع انطلاقه تظهر معادنه، فإن كان سيئ الخلق ظهر سوء خلقه، وإن كان حسن الخلق لم يختلف حاله مع أهله عن حاله مع الناس، أما معاملته للناس خارج موطن انطلاقه فإنها تتسم في غالب أحوالها بالتصنع والمجاملة، وإخفاء سوء خلقه، محافظة على سمعته بين الناس، وحرصًا على مكانته.
وبهذا نلاحظ أن هذا المقياس النبوي مقياس دقيق جدًّا.
5- وهذه البيانات النبوية جاءت شرحًا وتفصيلًا لقول الله تعالى في سورة (النساء 4):
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19))
ومعاشرتهن بالمعروف تكون بإعطائهن حقوقهن الزوجية، وبالإحسان إليهن، والتلطف معهن، ومداعبتهن، والصبر على عوجهن، والإنفاق عليهن، وفق النفقة المتعارف عليها، ويخضع ذلك لاختلاف الزمان والبيئة الاجتماعية.
وتكون أيضًا بعدم إيذائهن ومكارهتهن حتى يطلبن الطلاق بأنفسهن، مقابل تنازلهن عن حقوقهن، أو مقابل ترضية يدفعنها بغية حصولهن على الطلاق عن طريق المخالعة، فهذه المحرمات ليست من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها في هذه الآية.
فالذين يحرجون زوجاتهم بالمكارهة وسوء المعاشرة عصاة لله، إذ يخالفون أمره بمعاشرتهن بالمعروف، وهم يسيئون معاشرتهن ليتهربوا من مسؤولياتهم تجاه حقوقهن، أو ليسترجعوا ما كانوا قدموا لهن من مهر.
وفي قول الله تعالى في الآية: (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) : دلالات عظيمة، وإشارات نفيسة إلى أمور تشتمل عليها المقادير الربانية، إذ تحتوي عليها حقائق الأشياء وبواطنها، وذلك لأن كراهية النفس لبعض الأشياء قد لا تعتمد على ما في الأشياء من شر أو ضرر، بل تعتمد في أكثر أحوالها على أمور ذوقية أخرى، تجد فيها النفس ما تشتهي وتهوى، من حلاوة أو طلاوة، أو خفة، أو جمال، أو رشاقة، أو رقة، أو ذكاء، أو عذوبة منطق، أو نحو ذلك مما تميل إليه الأنفس، أو تستمتع به الحواس، وكثيرًا ما تكون هذه الأمور الذوقية البحتة سببًا لمتاعب كثيرة، أو سببًا لشر الزوج وشقائه، وكثيرًا ما تكون الأشياء المكروهة مشتملة في بواطنها أو في نتائجها على خير كثير، وكراهيتها إنما حصلت بسبب خلوها مما تميل إليه، أو تستمع به الحواس من مشتهيات.
وفي الأمثلة المشاهدة نلاحظ أن الدواء المر تكرهه الأنفس ولا تميل إليه الطباع، ومع ذلك ففيه شفاء ونفع وصحة.
فكم من امرأة لم تأت على مزاج الرجل وذوقه، وليس فيها سوء خلق أو ضعف دين أو قلة حياء أو قلة أمانة، فصبر عليها زوجها وعاشرها بالمعروف، فجعل الله منها خيرًا كثيرًا، فكانت عفيفة شريفة صينة، وكانت معينة له على السراء والضراء، وحافظة له ولماله ولولده، وأنجبت له ذرية صالحة يسعد بها.
ولو ظفر الرجل بامرأة تجمع بين الحسنيين لكان ذلك من خير متاع الدنيا له.
روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة.
وهي ذات الدين والخلق الفاضل، مع أنها تسر زوجها وتمتعه.
وحين تكون المرأة صالحة ذات دين، فمن الخير للرجل أن لا يفركها، ولو لم تكن على ما يهوى، صحيح أنه قد لا يملك أن يحبها، ولكن يملك أن يكيف نفسه معها، ويملك أن يغضي عن الجوانب التي لا تميل إليها نفسه فيها، ويفكر في الجوانب التي قد يحبها منها، ويجسمها ويعظمها في عينه، وعندئذٍ قد تغطي الجوانب المرضية منها الجوانب التي لا تميل إليها نفسه، وبمرور الزمن يحصل الإلف، ومع الإلف تختفي الكراهية، وتبرز في الصورة المحاسن وحدها، ولا يبعد أن ينتقل القلب مع الإلف إلى الحب، وهذا من الأمور المجربة في الحياة وهو ما نبه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله كما سبق:
لا يفرك لا يفرك: لا يبغض، يقال: فركت المرأة زوجها إذا أبغضته، فركها زوجها إذا أبغضها. مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر
أو قال:
غيره.
ذلك لأن سبب الكراهية ربما يكون من أجل خلق رآه فيها لم يتلاءم معه، فإذا نظر إلى سائر أخلاقها فلا بد أن يجد فيها شيئًا يرضاه منها ويستحسنه، فما من إنسان في الوجود إلا وفيه جوانب ترضي بعض الناس، مهما كان نصيبه من المستكرهات كثيرًا، والعاقل هو الذي إذا ألزم بشيء تلاءم معه على قدر المستطاع.
فإذا تعذر عليه التلاؤم فمن الخير لهما حينئذٍ أن يفترقا، وحلًا لمثل هذه الأحوال المستعصية شرع في الإسلام الطلاق، وقال الله تعالى في سورة (النساء 4):
(وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130))
والعاقل الحصيف يستطيع أن يقنع نفسه بأنهن لا تخلو امرأة من عوج، فعليه أن يصبر على عوجها، ما دام يرضيه منها جوانب حسنة، وما دامت ذات دين وخلق، ويقنع نفسه بأن تقويم عوجها من الأمور المتعذرة، فهو في جوهر فطرتها، وهو ما أبانه الرسول صلى الله عليه وسلم كما سبق.
وكون المرأة خلقت من ضلع أو أنها كالضلع كما جاء في بعض الروايات يراد منه أنها عوجاء في طبيعتها، لا تستقيم على طريقة قويمة، والسبب في ذلك ضعف إرادتها الفطرية أمام قوة عاطفتها وسلطان أهوائها، فهي لا تستطيع أن تتحرر من طبعها تحررًا نهائيًّا مهما أرادت أن تستقيم.
وقد ورد عن ابن عباس: أن حواء خلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم.
فإن صح هذا الخبر فيحمل عليه ما جاء في الصحيح من أنها خلقت من ضلع، وإلا فالمراد أن العوج في فطرتها، كما أن الضلع أعوج في أصل تكوينه. يضاف إلى ذلك أنه قد ثبت بيقين أن حواء خلقت من آدم، كما جاء في القرآن. ومعلوم أن الضلع أرق عظام الإنسان وألينه، والضلع وعاء ما في الصدر، ومن ورائه مركز العاطفة والحنان، والضلع في تكوينه ذو عوج، فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن المرأة خلقت من رقة، ومع الرقة اعوجاج، وهذا الاعوجاج فيها مناسب لما خلقت من أجله، إذ خلقت لتكون وعاء العاطفة والحنان والإيناس، ولا بد أن يظهر عوجها في أعلاها، أي في لسانها وفكرها، إذ لا بد أن تتغلب جوانب عاطفتها على المنطق الفكري السليم فيها.
لذلك يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال شطر الحكمة التربوية التي ينبغي أن يعاملوا بها النساء، وذلك بأن يراعوا واقع طبيعتهن التي فطرن عليها، وأن يداروهن ويلاينوهن ويسوسوهن سياسة عاقلة حكيمة رشيدة، حتى يستمتعوا بهن فيما خلقن له، مع التغاضي عن عوجهن الفطري فيهن، وهو العوج الذي يتعذر تقويمه.
وليس معنى هذا ترك إصلاحهن وتقويمهن، ولكن معناه ضرورة اتخاذ الحكمة التربوية في سياستهن، مع ملاحظة أن الاستقامة الكاملة لا ترجى منهن، فعلى الرجال أن يستوصوا بهن، وذلك بالرفق في تأديبهن وتربيتهن، وبمراعاة طبيعتهن وبعدم القسوة عليهن والعنف في تقويمهن؛ لأن القسوة والعنف يؤديان إلى كسرهن، أي إلى طلاقهن وفراقهن، مع أن الرجل في حياته لا غنى له عن امرأة يسكن إلي