موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها(صلة الرحم)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها(صلة الرحم)
199 0

الوصف

                                                    الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها

                                                                       صلة الرحم
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الثاني: الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها >>

صلة الرحم:

ومن ظواهر خلق الرحمة صلة الرحم، وقد أوصى الإسلام بصلة الرحم، ونهى نهيًّا شديدًا عن قطيعة الأرحام.

إن من مبادئ الإسلام الاجتماعية الأولى تشبيك جماعات المسلمين في وحدة جسدية جماعية عامة. وأولى الناس بذلك الأقربون رحمًا، فلهم حق أخوة الإسلام، ولهم حق قرابة الرحم.

وتكون صلة الرحم بزيارتهم، وتفقد أحوالهم، وإكرامهم، والإهداء إليهم، والتصدق على فقيرهم باعتباره أحق من الفقير البعيد، وتكون بتعهد مرضاهم، ومشاركتهم في مسراتهم، ومواساتهم في أحزانهم، وتقديمهم على غيرهم في كل أمرٍ هم أحق به من غيرهم بسبب قرابتهم.

أما قطيعتهم فتكون بهجرهم، والإعراض عن زياراتهم المستطاعة، وعدم مشاركتهم في مسراتهم، وعدم مواساتهم في أحزانهم، وتكون بتفضيل غيرهم عليهم في الصلات والعطاءات الخاصة، التي هم أحق بها من غيرهم.

وقد وصف الله المؤمنين أهل الجنة، بأنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويدخل في ضمن ذلك صلة الرحم، قال الله تعالى في سورة (الرعد 13):

(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ..... (21))

ووصف الله من لهم اللعنة ولهم سوء الدار بأنهم يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويدخل في ضمن ذلك قطيعة الرحم، قال الله تعالى في سورة (الرعد 13):

(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25))

وصلة الرحم من موجبات دخول الجنة، روى البخاري ومسلم عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري، أن رجلًا قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم.

ومن وصل الرحم وصله الله، ومن قطع الرحم قطعه الله، روى البخاري ومسلم عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله.

وهذا كناية عن أن حق الأرحام حق ثابت، وأن الله يصل من وصل الرحم، ويقطع من قطع الرحم، نظرًا إلى أن الرحم مستجيرة برحمة الله.

وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته.

الشجنة: في اللغة عروق الشجر المشتبكة، والمتداخل بعضها في بعض، ولا شك أن الرحم متداخلة متشابكة بعضها في بعض، كتداخل عروق الشجر المشتبكة، وكونها من الرحمن، أي اشتق الله لها اسمًا من اسمه الرحمن. وقد جاء هذا المعنى مصرحًا به في حديث رواه أبو داود، وقال عنه: "حسن صحيح" عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

قال الله تبارك وتعالى: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته.

بتته: أي قطعته، فالبت في اللغة القطع.

وقطيعة الرحم من العناصر التي تحرم القاطع من دخول الجنة، روى البخاري ومسلم عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا يدخل الجنة قاطع.

أي: قاطع رحم، وقاطع لما أمر الله به أن يوصل، وهذا يفضي إلى الكفر الذي يتمرد فيه العبد على أمر الله، ويرفض فيه طاعته.

وليس الواصل لرحمه هو من يعامل أرحامه بالمثل، فإن وصلوه وصلهم، وإن قطعوه قطعهم، ولكن الواصل هو الذي إذا قطعته رحمه وصلها، روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.

وشكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيعة قرابة له، على الرغم من أنه يواصلهم، ويحسن إليهم، ويحلم عنهم، فأبان له الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عقوبتهم عند الله على قطيعتهم وإساءتهم له إن صدق فيما يقول، روى مسلم عن أبي هريرة، أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:

لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.

المل: هو الرماد الحار، والمعنى فكأنما تطعمهم الرماد الحار، وهذا تشبيه لنوع العقاب الذي يجازون به يوم القيامة على قطيعتهم لرحمهم.

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: "نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟" قالت: بلى. قال: "فذلك لك".

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

اقرأوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)

(محمد 22 – 23).

فمن هذه النصوص يتبين لنا أن قطيعة الرحم معصية كبيرة، وإثم شنيع، وأن عقابها عند الله عقاب مريع، ونحن نعلم أن الوالدين أقرب الرحم.

نعوذ بالله من سيئ العمل، ومزالق الزلل، وكبائر الإثم، وسوء المصير.

ومن لطائف الشريعة أن الصدقة على المسكين تحسب بصدقة، أما الصدقة على ذي الرحم فتحسب باثنتين، صدقة وصلة؛ روى الترمذي بإسناد حسن عن سلمان بن عامر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة.

وصلة الرحم مما يكافئ الله عليه في الدنيا ببسط الرزق وإطالة العمر، وهذا ثواب معجل يتسابق إليه معظم الناس، وهو زائد على ثواب الآخرة الذي ادخره الله للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ابتغاء مرضاته، روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه.

ينسأ: أي يؤخر، والنسيء هو التأخير. والمراد من الأثر الأجل والعمر، وذلك لأن عمر الإنسان في هذه الحياة هو الفترة الزمنية التي تسجل له فيها آثاره –أي أعماله ذات الآثار- سواء أكانت خيرًا أو شرًا.

فيكون المعنى المراد من

وينسأ له في أثره

: يؤخر له في عمره، أي يطول له في عمره.

وأفضل الصدقة وأفضل أعمال البر هو ما كان منها على الأرحام والأقربين ما وجد فيهم ذو حاجة.

روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء (اسم لحديقة من نخل) وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيب، فلما نزلت هذه الآية: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وإن أحب مالي إلي (بيرحاء) وإنها صدقة لله تعالى، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

بخ، ذلك مال رابح، ذلك مالٌ رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين.

فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسم حديقته هذه في أقاربه وبني عمه.

وروى البخاري ومسلم عن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

تصدقن يا معشر النساء، ولو من حليكن

قالت: فرجعت إلى عبد الله بن مسعود فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم، (تريد بذلك إعطاء صدقتها إلى زوجها إذا كان هذا جائزًا) فقال عبد الله بن مسعود: بل ائته أنت، قالت زينب: فانطلقت، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها (أي: تريد أن تسأل الرسول بمثل السؤال الذي جاءت زينب من أجله).

قالت زينب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة، فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانه، أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام حجورهما؟ ولا تخبره من نحن. فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من هما؟

قال: امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أي الزيانب؟

قال بلال: امرأة عبد الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لهما أجران، أجر القرابة، وأجر الصدقة.

هذه تعاليم الإسلام الرائعة، وهذا حال نساء الصدر الأول من المسلمين.

* والأمر بصلة الرحم من أوائل ما نزل من التشريع في الإسلام، دل على ذلك آيات مكية، وأحاديث ثابتة:

روى مسلم عن عمرو بن عبسة السلمي في حديث طويل، قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا، فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيًا جُرَآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ قال:

أنا نبي

. فقلت: وما نبي؟. قال:

أرسلني الله

. فقلت: بأي شيءٍ أرسلك؟ قال:

أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به.

قلت: فمن معك على هذا؟ قال:

حر وعبد

–ومعه يومئذ أبو بكر وبلال- فقلت: إني متبعك، قال:

إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس، ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي ظهرت فأتني.

وفي حديث أبي سفيان في قصته مع هرقل، من حديث طويل عند البخاري ومسلم، قال هرقل لأبي سفي