موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها(التوجيهات الإسلامية لخلق الرحمة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها(التوجيهات الإسلامية لخلق الرحمة)
221 0

الوصف

                                                    الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها

                                                      التوجيهات الإسلامية لخلق الرحمة
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الثاني: الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها >>

التوجيهات الإسلامية لخلق الرحمة والحض على مظاهره وآثاره في السلوك:

إن الإسلام دين الرحمة العامة الحكيمة العاقلة التي تضع الأشياء في مواضعها، ولذلك نلاحظ في النصوص الإسلامية توجيهات ملحة للتحلي بخلق الرحمة، وحثًا على مظاهرها العملية وآثارها في السلوك، فمن ذلك ما يلي:

1- روى البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا يرحم الله من لا يرحم الناس.

2- وروى مسلم عن عياض قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق. ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفف ذو عيال.

3- وروى أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول:

لا تنزع الرحمة إلا من شقي.

4- وروى أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

ولذلك كان الإصلاح بين الإخوة بدافع خلق الرحمة بهم جالبًا لرحمة الله، قال الله تعالى في سورة (الحجرات 49):

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10))

5- ومن روائع التوجيه الإسلامي للأخذ بفضيلة خلق الرحمة، توسيع الإسلام دائرة الرحمة حتى شملت العالمين، وكل ذي حياة مما خلق الله في هذا الكون الفسيح.

ولهذا أرشد الله رسوله إلى مهمة رسالته، وهي أن يكون رحمة للعالمين، فقال له في سورة (الأنبياء 21):

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107))

وثبت في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:

إنما أنا رحمة مهداة

.  رواه الدارمي، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة، ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، انظر مشكاة المصابيح الحديث (5800) والتعليق للألباني.  

وكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين نفحة قدسية من نفحات رحمة الله الواسعة، ولذلك يقدم الملائكة ثناءهم على الله بأنه وسع كل شيء رحمة وعلمًا، قبل أن يسألوه المغفرة للذين تابوا واتبعوا سبيله، قال الله تعالى في سورة (غافر 40):

(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7))

ومن رحمة الرسول بأمته جعل نفسه مثل الوالد لولده، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إنما أنا لكم مثل الوالد لولده

رواه ابن ماجه والدارمي وأبو داوود والنسائي بإسناد حسن.

6- ومن حث الإسلام على معاملة الحيوان غير الناطق بالرفق والرحمة، والنهي عن تعذيبه؛ ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.

خشاش الأرض: هوامها وحشراتها.

وما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر أيضًا أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: "من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا".

وما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش. فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماءً، ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له.

قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال:

في كل كبدٍ رطبة أجر.

وفي رواية للبخاري ومسلم:

بينما كلب يطيف بركية (بئر) قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فاستقت له به فسقته فغفر لها به.

موقها: الموق الخف.

فما أروع هذا الشمول الذي تتمتع به التعاليم الإسلامية! امرأة تعذب بسبب قسوة قلبها تجاه هرة، ورجل وامرأة يغفر لهما بسبب رحمتهما بكلب، فالرحمة الإيمانية تمد ظلالها وراء حدود الإنسان، فتشمل كل ذي كبد رطبة، والله يثيب على كل رحمة ولو كانت بحيوان محتقر غير ذي شأن.

إن الذين توصلوا حديثًا إلى إعلان مبدأ الرفق بالحيوان، وأصبحوا يفخرون بهذا الرقي الإنساني، إذا تعلقت مصالحهم السياسية أو الاقتصادية بإهلاك أمم وشعوب من البشر لم يتورعوا عن ذلك، ولم تخفق في قلوبهم خافقة رحمة، إن دوائر الرحمة لديهم محدودة في حدود أشخاصهم أو أهليهم ومن يحبون، أو أقوامهم.

أما التعاليم الإسلامية فإنها تجعل دائرة الرحمة دائرةً واسعة تنتظم الوجود كله، وتجعل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد، وتجعل المؤمنين مسؤولين عن الرحمة بكل ذي كبد رطبة.

وهكذا عمل الإسلام على غرس خلق الرحمة في قلوب المسلمين، وتغذيته، وتنميته، وتوسيع دائرة شموله، حتى يكونوا في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

ونستطيع أن نثبت بكلمة جامعة أن الإسلام قد وجه المسلمين أن يرحموا كل مستحق للرحمة، وأكد بشكل خاص وملح على رحمة الضعفاء، ويدخل في عموم الضعفاء الصغار لا سيما اليتامى، والنساء والأرامل ومن لا معيل لهن، والمرضى، والعجزة، وكبار السن الهرمون، وأبناء السبيل المنقطعون الذين لا سند لهم ولا ناصر، والعبيد والخدم والأجراء، وهكذا إلى سائر الضعفاء.

وحين ذكر القرآن بعض وجوه البر عدد أمورًا فذكر منها:

الأول: الرحمة، ومن آثارها في السلوك إيتاء المال على حبه ذوي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، والسائلين، وفي الرقاب. فجعل الرحمة بالضعفاء من أول عناصر البر بشرط الإيمان.

الثاني: الصدق، والمحافظة على شرف الكلمة وأداء حقها، ومن آثار ذلك في السلوك الوفاء بالعهد.

الثالث: الصبر، في البأساء (أي: في الجوع) وفي الضراء (أي: في المصائب) وحين البأس (أي: في القتال).

قال الله تعالى في سورة (البقرة 2):

(لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177))