موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها(قابلية خلق الرحمة لأنواع التربية)
الوصف
الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها
قابلية خلق الرحمة لأنواع التربية
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الثاني: الرحمة وفروعها وظواهرها السلوكية وأضدادها >>
قابلية خلق الرحمة لأنواع التربية:
والرحمة كمال في التكوين الفطري، إلا أنه كشأن كل الكمالات الفطرية القابلة للتهذيب والتقويم والتنمية والترقية، والقابلة للتشويه والإفساد والتدني والضمور.
فمن تهذيبها وتقويمها حسن توجيهها للمواطن التي تستحق الرحمة، وفق المفاهيم الإسلامية الحكيمة، وصرفها عن المواطن التي لا تستحق الرحمة.
فحينما يقرر الإسلام ضرورة إيقاع العقوبة الصارمة بصاحب جناية كبيرة، فإن رقة قلب المؤمن لا تتأثر بمشهد العقوبة أو بتنفيذها، ولو كان مستحق العقوبة قريبًا، أو صاحبًا، أو حبيبًا، وهذا ما أدب الله المسلمين عليه بقوله تعالى في سورة (النور 24):
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2))
ومن تشويه فطرة الرحمة وإفسادها توجيهها لمن لا يستحقها، كالرحمة التي تستدعي كف العقاب عن الظالمين، الذين يجعلهم العفو عنهم يتمادون في طغيانهم وظلمهم، وكرحمة الأم الرعناء التي تهمل تأديب ولدها مهما أساء، حتى تفسده وتجعل منه إنسانًا مجرمًا.
ولذلك كان للرحمة جوانب خير وجوانب شر، أما الله تبارك وتعالى فلا يرحم إلا في الخير، قال عز وجل في سورة (المؤمنون 23):
(وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118))
وتكون تنمية الرحمة وترقيتها بتدريب النفس على الشعور بمشاعر الرحمة مرة بعد مرة، وذلك بممارسة الأعمال التي تدفع إليها الرحمة عادة، وإيقاظ كوامن الرحمة في النفس بذلك، وتركها تتلذذ بمشاعر العطف، فالتلذذ بالمشاعر كفيل بتغذية دوافعها وبتنميتها، مهما كانت أصولها ضعيفة في أعماق النفس. وهذا علاج قد أرشد إليه الرسول صلوات الله عليه، روى الإمام أحمد عن أبي هريرة، أن رجلًا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال له:
امسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين.
وفي رواية عند الطبراني، أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو قسوة قلبه، فقال له:
أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك.
أما ضمور الرحمة وتدنيها في القلوب فمن أسبابه استغراق النفوس في الترف، والملذات، والمتع الجسدية، وتنافس المترفين في التفاخر بما يملكون من مظاهر الحياة الدنيا.
وتكاد تموت الرحمة في قلوب البطرين المستكبرين، الذين يطول عليهم الأمد في بحبوحة الترف والنعمة، وهذا ما يجعل قلوبهم قاسية لا تشعر بآلام الآخرين، ويشير إلى هذه الحقيقة قول الله تعالى في سورة (الحديد 57):
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16))