موسوعةالأخلاق الإسلامية-أمثلة وشواهد للحسد(أمثلة وشواهد للحسد)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-أمثلة وشواهد للحسد(أمثلة وشواهد للحسد)
213 0

الوصف

                                                     أمثلة وشواهد للحسد

                                                     أمثلة وشواهد للحسد
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 9- بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته >>

أمثلة وشواهد:

1- حسد إبليس –وهو من الجن- آدم عليه السلام أول إنسان خلقه الله من هذه السلالة البشرية. وقد بلغ الحسد بإبليس مبلغ التورط في الكفر والتمرد على طاعة أمر الله، إذ اقترن في نفسه برذيلة خلقية أخرى، هي الكبر والعجب بالنفس، فكان مصيره اللعن والطرد عن رحمة الله، وكان مصيره أيضًا الانطلاق في الإفساد والكيد لآدم وذريته من بعده، حتى يكونوا من الغاوين، ومن أصحاب الجحيم، ويكونوا شركاءه في العذاب الأليم.

ومع إبليس جنود كثيرون من شياطين الجن والإنس، أكل الحسد قلوبهم فانطلقوا يغوون الناس، ويفسدون في الأرض.

إن العلة النفسية الأولى لدى إبليس قد كانت علة الكبر، ثم لما ظهر فضل آدم بالعلم والمعرفة واكتشاف خصائص الأشياء وسماتها أكلت نيران الحسد قلبه على آدم وذريته، فأعلن عداوته لهم، وقرر أن يتابعهم بالإغواء والتضليل، حتى يوقعهم في الهلاك والشقاء الأبدي، إذا استجابوا له فكفروا بربهم وعصوا أوامره ونواهيه.

وكان حسد إبليس من مستوى أخس دركات الحسد، إذ تولد عنه وعن خلق الكبر معه البغض والعداء الشديد، والرغبة بإهلاك المحسود وتحطيمه، ودفعه إلى دركات الجحيم.

2- قصة ابني آدم التي قصها الله علينا في القرآن، وذكر المؤرخون أن اسمهما قابيل وهابيل.

قالوا: إن قابيل وهابيل من أبناء آدم عليه السلام، وكانت حواء تلد في كل حمل توأمين، أحدهما ذكر والآخر أنثى، وكان آدم يزوج أبناءه من بناته، بحسب شريعة الرب حينئذ، ولكنه كان لا يزوج توأمين ذكرًا وأنثى بعضهما من بعض، وإنما كان يفصل بين التوائم، فمن أراد أن يتزوج منهم فعليه أن يختار من شقيقاته غير التي كان معها في بطن أمه في حمل واحد.

لكن قابيل أراد أن يتزوج بتوأمته، على خلاف نظام الزواج الذي كان في المدة الأولى للتكاثر الإنساني، بينما كان نصيبه توأمة أخيه هابيل، ونصيب هابيل توأمة قابيل، وتمرد قابيل على النظام، وصمم على أن يتزوج بتوأمته، ويمنع أخاه هابيل عن الزواج منها، ورفض الزواج من توأمة هابيل، استحسانًا لتوأمته.

فأمرهما أبوهما آدم عليه السلام أن يقرب كل منهما لله قربانًا، فمن تقبل الله منه قربانه كان أحق بالزواج من هذه الأخت المتنازع عليها ومن لم يتقبل الله قربانه فعليه أن يكف، فقرب كل منهما لله قربانًا، فنظر الله إلى قلبيهما فتقبل قربان هابيل، ولم يتقبل قربان قابيل، وثبت الحق لمن تقبل الله قربانه. وأكل الحسد قلب قابيل، وحقد على أخيه، وأراد أن يتخلص منه بالقتل، وواجهه بالأمر، فقال له: لأقتلنك. قال هابيل: إنما يتقبل الله من المتقين، لئن بسطت إلي يدك لتقتلني، ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك، إني أخاف الله رب العالمين.

وإذ حسد قابيل هابيل، وحقد عليه، وهدده بالقتل، طوعت له نفسه قتل أخيه فقتله، ليخلو له الجو فيتزوج بتوأمته التي استحسنها لنفسه، فأصبح بقتله من الخاسرين، ولم يجد من أخيه دفاعًا، وكان قابيل مثلًا لذوي النفوس الشريرة المجرمة، وكان هابيل مثلًا لذوي النفوس الخيرة المسالمة.

ثم عانى قابيل مشكلة مواراة جثة أخيه، ولم يدر كيف يخفيها، فحملها، وجعل ينتقل بها من مكان إلى آخر، ويخشى افتضاح أمره، فبعث الله غرابًا، فوقف بالقرب منه، وجعل الغراب يبحث في الأرض، حتى احتفر حفرة، فلما أتمها دفن جثة غراب ميت فيها، عندئذٍ قال قابيل: يا ويلتا، أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب، فأواري سوأة أخي؟! وعندئذٍ عظم الإثم في نفسه، وأصبح من النادمين على خطيئته، لقد جره الحسد الخبيث، حتى ركب مركب الجريمة الكبرى، فقتل أخاه، وعصى ربه.

هذه القصة ذكر القرآن معظمها، وأشار في طي الكلام إلى ما لم يذكره منها، قال الله تعالى في سورة (المائدة 5):

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآَخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)) .

وجاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن هذا القاتل الأول من ابني آدم، ما رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل.

كفل من دمها: نصيب إثم إهراق دمها ظلمًا وعدوانًا؛ لأن ابن آدم هذا أول من سن القتل في هذه السلالة البشرية.

وقاعدة الجزاء الرباني في تحمل الإنسان إثم عمله السيئ وإثمًا مثل إثم عمل كل عاملٍ تأثر به، وفي اغتنامه ثواب عمله الصالح وثوابًا مثل ثواب عمل كل عامل اقتدى به وتأثر به، معلنة في نصوص كثيرة، منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:

من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا

. من حديث طويل رواه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي.

ونلاحظ في قصة قابيل وهابيل أن الصالح منهما أراد أن يعلم أخاه معنى الخير، ويشعره بفضل المتقين، ويبعد عنه لواعج الحقد والغضب، ويخفف من داء الحسد لديه، وقد كان يستبعد جدًّا أن يكون منه قتل فعلي، دل على هذا قوله: (لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) وذلك لأن (إن) الشرطية تفيد أن ما يأتي بعدها أمرٌ مشكوك به، بخلاف ما لو جاء بدلها كلمة (إذا) فهي تستعمل لدى البلغاء في الأمور التي يترجح وقوعها.

ولعل هابيل أراد أن يستغل داء الحسد لدى أخيه كي يصرفه عن ارتكاب الجريمة، ويوجه طمعه لما أعد الله للمتقين في جنات النعيم، فقال له: (إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) ولو أن قابيل عقل لأثار ذلك حسده فعلًا، فكف عن القتل حتى لا يفضله في أجر الآخرة ونعيمها. وهي طريقة من المعالجة النفسية بارعة جدًّا، إذ فيها استغلال داء الحسد نفسه لتحويله عن الشر إلى الخير، إلا أن هذا العلاج لم ينفع أيضًا في إصلاح قابيل؛ لأنه كان دنيويًّا، فلم ينظر إلى الآخرة ودركات جحيمها ودرجات نعيمها، وظل يعاني من دائه حتى قتل أخاه.

3- قصة حسد أولاد يعقوب عليه السلام لأخيهم يوسف عليه السلام، إذ جعلهم الحسد يركبون مركب الجريمة، ويكيدون لأخيهم من أبيهم كيدًا كبيرًا، وقد قص الله علينا في القرآن قصة يوسف وما كان من حسد إخوته له.

يعقوب وهو إسرائيل عليه السلام ولد له اثنا عشر ولدًا ذكرًا من أربع نسوةٍ تزوج بهن.

ستة منهم أمهم (ليئة) زوجة يعقوب الأولى، وهي ابنة خاله (لابان) وهم:

1- رأوبين الولد البكرليعقوب

2- شمعون

3- لاوي

4- يهوذا

5- يساكر

6- زبولون

هؤلاء أشقاء أمهم (ليئة)

واثنان منهم أمهما (بلهة) وكانت جارية، وهما:

1- دان

2- نفتالي

هما شقيقان أمهما (بلهة)

واثنان منهم أمهما (زلفة) وكانت جارية أيضًا، وهما:

1- جاد

2- أشير

هما شقيقان أمهما (زلفة)

والأخيران منهم أمهما (راحيل) وهي أخت (ليئة) الصغرى فهي ابنة خال يعقوب، وكان الجمع بين الأختين جائزًا في الشريعة المنزلة على إبراهيم عليه السلام، والأخيران هما:

1- يوسف عليه السلام

2- بنيامين

هما شقيقان أمهما (راحيل)

وكان يوسف وشقيقه بنيامين أصغر الإخوة، وكان يوسف أحب أولاد يعقوب إلى قلبه، ويليه شقيقه الأصغر بنيامين. وكان يعقوب يلاحظ في يوسف أمارات النجابة، ويحس بأنه سيكون وارث النبوة من بين إخوته، وأن الله سيجتبيه ويفضله، ولذلك كان أثيرًا عنده، وكان محل رعايته الزائدة، ولا يكاد يستطيع مفارقته أو غيابه عنه.

وهذا ما أثار حسد سائر الإخوة عليهما، وانصب الأمر بشدة على يوسف؛ لأنه كان محل الحظوة الكبرى، وأكبر الشقيقين.

وصرح الإخوة فيما بينهم بما يدل على حسدهم لهما، وجاء في القرآن ذكر مقالتهم في ذلك، فقال الله تعالى في سورة (يوسف 12):

(إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (8)) .

وأحس يعقوب بأن الحسد يأكل قلوب الإخوة على يوسف وأخيه، وأدرك أنهم لو عرفوا أن يوسف سيكون المفضل عليهم بالعطاء الإلهي في المستقبل حين يبلغ أشده لكادوه أيما كيد، ولمكروا به أيما مكر، ليتخلصوا منه ومن سبقه عليهم، غافلين عن أن القضاء الرباني لا يعاند. ولذلك لما رأى يوسف –على حداثة سنه- الرؤيا المنامية المشهورة، إذ رأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له، فأولها له أبوه بأنه سيبلغ مجدًا ورفعة يخضع له فيهما جميع إخوته حتى أبوه وقرينة أبيه اللذين جاء رمزهما في الرؤيا بالشمس والقمر، وأوصاه أبوه بأن لا يقص رؤياه هذه على إخوته، لئلا يكيدوا له كيدًا كبيرًا مستجيبين فيه لوساوس الشيطان، هذا ما قصه الله علينا بقوله في سورة (يوسف 12):

(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَٰجِدِينَ).