موسوعةالأخلاق الإسلامية-بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته(أمثلة من المستكبرين عن اتباع الحق)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته(أمثلة من المستكبرين عن اتباع الحق)
204 0

الوصف

                                                     بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته

                                                         أمثلة من المستكبرين عن اتباع الحق
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 9- بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته >>

أمثلة من المستكبرين الذين صرفهم كبرهم عن اتباع الحق:

نستعرض فيما يلي أمثلة من الذين رفضوا الطاعة واتباع الحق بدافعٍ من كبر نفوسهم:

1- لقد كان تمرد إبليس عن طاعة ربه، وانحيازه إلى تهلكة الكفر، من آثار خلق الكبر في نفسه، والعجب بعنصريته، فالباعث له على الكفر انحراف خلقي جرثومته الكبر والعجب بالنفس، هذه حقيقة دلتنا عليها نصوص قرآنية كثيرة، منها قول الله تعالى في سورة (البقرة 2):

(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)).

فبين الله تبارك وتعالى أن الباعث لإبليس على الكفر قد كان استكباره عما أمره الله به من السجود لآدم.

لقد أبى أن يسجد، وكان هذا مظهرًا في السلوك، ولقد استكبر في نفسه، وكان هذا هو الدافع والمحرك له حتى أبى، ولذلك قال الله تعالى في الآية: (أَبَى وَاسْتَكْبَرَ) فدل بهذا على الخلق الدافع والمظهر السلوكي له.

وجاء بيان هذا الدافع النفسي فقط دون ذكر مظهر الإباء، في قول الله تعالى في سورة (ص 38):

(إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)) .

لقد جر إبليس إلى هذا المنحدر السحيق واللعنة الكبرى استكباره وعجبه بنفسه، وإصراره على باطله، وعدم توبته ورجوعه إلى الحق، وكانت عقوبته من جنس ذنبه، إذ طرده الله من مواطن رحمته وجعله من الصاغرين، قال تعالى في سورة (الأعراف 7):

(قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)) .

وقد اتبع إبليس في سنته السيئة هذه كثيرٌ من الذين كفروا من الناس.

2- وكان السبب الأعظم في كفر فرعون وجنوده استكبارهم في الأرض بغير الحق، دل على هذا قول الله تعالى في سورة (القصص 28):

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)) .

وأكد القرآن أمر استكبار فرعون وملئه في عدة نصوص، نظرًا إلى أن الكبر قد كان يمثل العامل الرئيسي الخطير في كفرهم، من ذلك قول الله تعالى في سورة (يونس 10):

(ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (75)) .

وقوله تعالى في سورة (المؤمنون 23):

(ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46)) .

وقوله تعالى في سورة (العنكبوت 29):

(وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39)) .

وقد عرفنا أن عاقبة استكبارهم كانت إهلاكًا وإذلالًا، ويوم القيامة لهم عذاب مهين، وصغار شديد.

3- وثمود –وهم من القبائل العربية البائدة- أرسل الله لهم صالحًا نبيًّا ورسولًا، فاستكبر قادتهم عن اتباعه، فكذبوه وكفروا به، واتبعهم في ذلك بعض المستضعفين، قال الله تعالى في سياق الحديث عنهم في سورة (الأعراف 7):

(قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)) .

4- وأهل مدين قوم شعيبٍ كذلك، فقد استكبر قادتهم وزعماؤهم عن اتباع شعيب عليه السلام، فكذبوه وكفروا بربهم، قال الله تعالى في سياق الحديث عنهم وعن رسولهم في سورة (الأعراف 7):

(قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88)) .

5- وعادٌ –وهم من القبائل العربية البائدة- كذلك فقد استكبروا في الأرض بعد الحق، وكذبوا رسولهم هودًا عليه السلام، قال الله تعالى في سورة (فصلت 41):

(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنْصَرُونَ (16)) .

ونلمح أن معاقبتهم بعذاب الخزي يلائم استكبارهم في الأرض بغير الحق.

6- وقوم نوح من قبل كانوا كذلك، فالأمم تتشابه في تصرفاتها، وتحكمها سنن واحدة، وإن اختلفت في وسائلها وبعض أعمالها ومظاهر سلوكها، تبعًا لاختلاف بيئاتها وتقاليدها ومفاهيمها، وقد أخبرنا الله عنهم بقوله في سورة (نوح 71):

(قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)) .

وهكذا لم يترك نوح عليه السلام وسيلة من الوسائل النافعة في الدعوة إلا اتخذها، إلا أن قومه قد صدهم عن اتباعه عوامل نفسية مختلفة، أبرزها وأخطرها الكبر.

7- وبنو إسرائيل أصابهم داء الكبر الذي أصاب من قبلهم بالإضافة إلى انحرافات خلقية أخرى صرفتهم عن الاستجابة للحق، ولذلك خاطب الله اليهود بقوله تعالى في سورة (البقرة 2):

(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ (88)) .

فقد وصفهم الله في هذا النص بأن المحرض لهم على الكفر برسلهم استكبارهم عن الطاعة، إذ تأتيهم رسلهم بما يخالف أهواء نفوسهم. ويظهر أن نزعة الاستكبار كانت داء عظماء يهود، وأحبارهم، وذوي الرياسات الدينية فيهم من فريسيين وكتبة وكهنة. ورغم ما عانوه في تاريخهم الطويل من ذل وهوان، إلا أن عقدة الكبر –التي تستند إلى زعمهم أنهم شعب الله المختار وأنهم أبنا الله وأحباؤه- لا تفارقهم مهما كانوا في مواقع الذل والضعة والمسكنة، وقد قابلوا رسلهم من بني إسرائيل بهذا الكبر، ففريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون.

ولما جاء الإسلام ودعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به تحركت فيهم عدة منحرفات خلقية، منها الحسد، ومنها نزعة الكبر، وتظهر نزعة الكبر في قولهم: "قلوبنا غلف" كناية عن عدم حاجتهم إلى علوم ومعارف دينية تأتيهم، كأنهم يقولون للرسول في هذا: لسنا بحاجة إلى العلوم والمعارف الدينية التي عندك، إذ عندنا من العلوم الدينية ما ملأ قلوبنا، حتى صارت لا متسع فيها لواردات جديدة، وحتى صارت مغلفة كما تغلف السلع والأمتعة والبضائع ويختم عليها لتسفيرها، فتمسي غير قابلة لإضافة جديدة إليها، فهي صماء عن سماع ما تدعوننا إليه. ولما كان غرضهم إعلان امتلاء قلوبهم بالمعارف والعلوم الدينية رد الله دعواهم هذه بقوله: (بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ) أي: إن صدودهم عن تلقي ما جاء به الرسول من كتاب الله والحكمة، إنما هو لعنة أصابتهم من الله بسبب كفرهم الذي أصروا عليه، واختاروه لأنفسهم طريقة حياة، قبل بعثة محمد وبعد بعثته. فإصرارهم على الكفر وعنادهم هو الذي سبب لهم اللعنة، وهذه اللعنة قد جعلت قلوبهم غلفًا صماء لا تقبل المعرفة، ولا تستجيب لدعوة الهداية، ففي هذا إقرار بأن قلوبهم غلف، ولكن لا على معنى امتلائها بالمعرفة الدينية كما زعموا، وإنما على معنى إصابتها باللعنة بسبب إصراراهم على الكفر وعنادهم، وهذا تحويل بديع استغل فيه قولهم الذي اعترفوا به، وهو لون