موسوعةالأخلاق الإسلامية-بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته(فضل التواضع ابتغاء مرضاة الله)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته(فضل التواضع ابتغاء مرضاة الله)
237 0

الوصف

                                                              بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته

                                                                     فضل التواضع ابتغاء مرضاة الله
                         الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 9- بواعث جحود الحق والكفر به مع ظهوره ووضوح أدلته >>

فضل التواضع ابتغاء مرضاة الله:

وإذ حرمت النصوص الإسلامية الاستكبار بغير حق، وأبانت أن الكبر من قبائح أخلاق الإنسان، حثت على التواضع ابتغاء مرضاة الله ورغبت فيه، وأبانت أن من تواضع لله كافأه الله على تواضعه بالرفعة:

وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله

 وهذ من سنن الله في عباده، كما أن من استكبر وتعالى على خلق الله أذله الله.

ومن الملاحظ أن الناس يحبون المتواضع ويألفونه، ويكرهون المستكبر ويأنفون عنه ولا يألفونه، والسر في ذلك أن المتواضع ينزل نفسه إلى مستوى جلسائه فيعيش معهم بوداعة وانطلاق، ويعيشون معه بمثل ذلك، فيتم بينه وبينهم الإلف والوئام، وذلك يولد المحبة، بخلاف المستكبر، فإنه يرفع نفسه فوق مستوى جلسائه، فيعيش وحده في جوه النفسي المتعاظم، ويحيط نفسه بسياج شائك، لا وداعة فيه ولا انطلاق، وحين يرى جلساؤه ومعاشروه ذلك منه يبتعدون عنه بنفوسهم فلا يألفونه، ويرونه يضع نفسه فوقهم فيكرهونه. فكلتا الثمرتين من النتائج الطبيعية لكلا العملين.

يضاف إلى ذلك أن المتواضع لا يثير في الناس دافع المنافسة فيكون مألوفًا محبوبًا، بخلاف المستكبر فهو يثير في الآخرين دافع المنافسة بقوة، فيكون مكروهًا غير مألوف للنفوس، لا سيما إذا كان هو في نظرهم دون المكانة التي يرفع نفسه إليها.

ولما كان التواضع من الأخلاق التي تملك القلوب بالمحبة، أمر الله رسوله بأن يخفض جناحه للمؤمنين، مع أنه صلى الله عليه وسلم رفيع المكانة في نفسه، عظيم المنزلة عند الله، فقال الله تعالى له في سورة (الحجر 15):

(وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)) .

فكان صلوات الله وسلامه عليه يخفض جناحه للمؤمنين، فلا يتعاظم عليهم ولا يستكبر، ويجلس بينهم كواحد منهم، حتى يدخل عليه وهو في أصحابه من لا يعرفه فيقول: أيكم محمد؟

وربما كانت توقفه الأمة وتأخذ بيده ليقضي حاجة لها؛ روى البخاري عن أنس قال: إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت.

وكان من تواضعه تحببه إلى الصغار بالسلام عليهم والمسح على رؤوسهم ووجوههم، روى البخاري ومسلم عن أنس، أنه مر على صبيانٍ فسلم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.

وروى مسلم عن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى (أي صلاة الظهر) ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدًا واحدًا. قال: وأما أنا فمسح خدي. قال: فوجدت ليده بردًا أو ريحًا كأنما أخرجها من جؤنة عطار.

من جؤنة عطار: أي من السلة التي يضع فيها متاعه وعطره.

ولما للتواضع من أثر اجتماعي كبير أوحى الله إلى رسوله بأن يأمر بالمسلمين بأن يتواضعوا. روى مسلم عن عياض قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحد ٌ على أحد.

ومن تواضع الرسول وسماحة نفسه صلوات الله عليه، أنه كان يشارك أهله في البيت مهنتهن وأعمالهن، روى البخاري عن الأسود بن يزيد قال: سألت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.

في مهنة أهله: تعني في خدمة أهله.

ومن تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قطع خطبته مرة لتعليم جاهل غريب، وأقبل عليه، حتى إذا انتهى منه عاد إلى ما كان فيه، روى مسلم عن تميم بن أسيد قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقلت: يا رسول الله، رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه؟ فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي، فأتي بكرسي فقعد عليه وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها.

ومن تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يستكبر عن طعام يدعى إليه مهما قلت قيمته، تألفًا لقلوب المؤمنين، وتكريمًا لهم، وتربية لهم على فضيلة التواضع، وتعظيمًا لنعمة الله، روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

لو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت.