موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرجوع إلى الحق(نصوص في التوبة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرجوع إلى الحق(نصوص في التوبة)
287 0

الوصف

                                                               الرجوع إلى الحق

                                                               نصوص في التوبة
                        الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 7- الرجوع إلى الحق >>

* نصوص في التوبة:

تاب العبد إلى ربه: أي عاد إلى الله من ذنب قد اقترفه، وتاب الله عليه: أي عاد الله عليه بالمغفرة والعفو. وتوبة الله على عبده تعني قبول الله توبة عبده إليه فإذا قبلها عاد إليه بإكرامه ورحمته فغفر له ذنبه وعفا عنه.

وقد جمع القرآن بين توبة العبد إلى ربه وتوبة الله عليه في عدة نصوص:

19- يقول الله تعالى في معرض الحديث عن أهل الكتاب في سورة (البقرة 2):

(إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)) .

ففتح الله باب الرجاء لأهل الكتاب، أن يتوبوا إلى الله، ويصلحوا، ويبينوا الحق الذي يكتمونه، فإذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم، إنه هو التواب الرحيم.

20- ويقول الله تعالى في سورة (المائدة 5):

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39)) .

ففتح الله باب التوبة في هذه الآية لمن تاب من بعد ظلمه وأصلح، أي: أصلح نفسه وأصلح سلوكه، وحين يعلم الله صدق توبته وإصلاحه لنفسه وعمله فإنه يتوب عليه، أي: يعود عليه بفضله ورحمته وفيوض عطاءاته.

ويلاحظ أن لفظ التوبة حينما تكون التوبة من جهة العبد يتعدى بحرف (إلى) أما حينما تكون من جهة الرب فإنه يتعدى بحرف (على)، والسر في ذلك أن توبة العبد المذنب إلى ربه رجوع إلى الله مقترن بخضوع وتضرع وتذلل، فناسبه أن يكون التعدي بحرف (إلى) أما التوبة من جهة الله، فهي تفضل من الله على عبده بفتح أبواب رحمته والتوفيق إلى الاستقامة، فناسبه أن يكون التعدي بحرف (على) فرجوع الله إلى عبده رجوع تفضل وإنعام عليه، وهو العلي الكريم.

21- وكان أول التائبين من البشر أبوهم آدم عليه السلام؛ لأنه أول بشر رباني عصى، فتاب إلى ربه من ذنبه، فتاب الله عليه، قال الله تعالى في سورة (البقرة 2):

(فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)) .

وقال الله تعالى في سورة (طه 20):

(وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)) .

22- وينادي الله الذين آمنوا أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحًا، فيقول تبارك وتعالى في سورة (التحريم 66):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)) .

التوبة النصوح: هي التوبة الصادقة الخالصة، التي يعزم التائب فيها على أن لا يعود إلى الذنب. وعرف الحسن التوبة النصوح بقوله: هي ندم بالقلب، واستغفار باللسان، وترك بالجوارح، وعزم على أن لا يعود. ونصوح على وزن فعول، وهي من صيغ المبالغة.

23- ويدعو الله الذين آمنوا جميعًا أن يتوبوا إليه، فقال تعالى في سورة (النور 24):

(وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)) .

وقد جاءت هذه الدعوة إلى التوبة في سياق الأمر بالغض من الأبصار، وحفظ الفروج، ونهي النساء عن التهتك، وأمرهن بالاحتشام. وكأن في دعوة جميع المؤمنين إلى التوبة عقب الوصايا المتعلقة بغض الأبصار وحفظ الفروج ونهي النساء عن إبداء زينتهن لغير المحارم إلا ما ظهر منها، تلويحًا بأن الاستقامة التامة في هذا المجال مفقودة أو نادرة؛ ويؤكد هذا قول الله تعالى في سياق ذكر حادثة الإفك في سورة (النور 24) نفسها:

(وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)) .

أي: لولا فضل الله عليكم بالحفظ ورحمته إياكم بالعفو والغفران ما طهر أحد منكم من أدناس المعصية والإثم في هذا المجال، ولسقط الجميع من ثقوب الغربال، ولجاؤوا ربهم مثقلين من ذنوبهم بأوزار وأحمال.

24- ويوجه الله رسوله لدعوة المشركين إلى التوبة من شركهم فيقول تبارك وتعالى في مطلع سورة (هود 11):

(الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)) .

ونلاحظ في هذا النص أن الانتقال من مواقع الشرك إلى مواقع الإيمان لتحقيق الرجوع المطلوب إلى الله، يحتاج أولًا إلى عملية تفريغ من كل أعمال الشرك بالله، وهذا يكون بطرح عبادة غير الله، ويحتاج ثانيًا إلى إلقاء أوزار الماضي، وهذا يكون بالاستغفار، وفي المرحلة الثالثة تكون التوبة إلى الله والرجعة إليه رجعة قلب فارغ من الأغيار، يسعى إلى الامتلاء بالإيمان الخالص الصادق، ورجعة جوارح غير مثقلة بالأوزار، فهي تسعى خفيفة للقيام بكل عمل صالح يرضي الله تعالى، ويحقق الثواب العظيم عنده.

25- وكذلك دعا الرسل أقوامهم، وقد قص الله علينا دعوة هود قومه، فقال تعالى في سورة (هود 11):

(وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)) .

فأمر هود عليه السلام قومه بعبادة الله وحده، ودعاهم إلى أن يستغفروا الله من ذنوبهم، ثم يتوبوا إليه، أي: يرجعوا إليه تعالى بالطاعة والعمل الصالح.

26- والتوبة النصوح المقبولة عند الله تعالى هي التوبة التي يرافقها ويسايرها إصلاح واستقامة على الطاعة، وإذ كتب الله على نفسه الرحمة فإنه تبارك وتعالى يغفر لهؤلاء التائبين، وهو الغفور الرحيم، قال الله تعالى لرسوله في سورة (الأنعام 6):

(وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (54)) .

فالوعد بالمغفرة والرحمة لمن عمل سوءًا بجهالة من الذين آمنوا مشروط بتوبة المذنب من بعد ذنبه، وبإصلاحه نفسه وسلوكه؛ وإصلاحه يكون بتعديل انحرافه، واستقامته على الطريقة التي شرعها الله لعباده.

وإذا عاد إلى المعصية مرة ثانية، فليعد إلى الاستغفار والتوبة بعدها، وليفعل ذلك كلما انزلق به ضعفه فهوى في المعصية، فإنه يجد الله غفورًا رحيمًا، ما دام في كل مرة يتوب توبة صادقة يعزم فيها على أن لا يعود إلى المعصية، ولا يعتبر هذا منه تلاعبًا، أما المتلاعب فهو الذي يقول بلسانه ما ليس في دخيلة نفسه، وذلك بأن يكون في قرارة نفسه غير عازم على الإقلاع عن الذنب، ثم يقول بلسانه: اللهم إني تبت إليك، فهذه توبة لسانية فقط غير مصحوبة بنية صادقة في القلب فلا ينظر الله إليها، وهذا ما دل عليه قول الله تعالى في سورة (الإسراء 17):

(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا (25)) .

فالله تبارك وتعالى ينظر إلى صدق التوبة في النفوس والقلوب، فمن الداخل يكون الصلاح أو الفساد، وأما الظاهر فهو تعبير فقط، وقد يكون التعبير صادقًا، وقد يكون كاذبًا، وحينما يكون كاذبًا فإنه لا قيمة له. وتوبة الله على عبده فضل من الله عليه، وهذا الفضل متروك لأمر الله وحكمته، فإن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، ولكن الله تعالى قد وعد الصادقين في توبتهم أن يتوب عليهم، ووعد الله حق لا يتخلف.

27- ويقول الله تعالى في سورة (الفرقان 25):

(وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتابًا (71)) .

وقد دلت هذه الآية على أن العمل الصالح بعد التوبة هو البرهان الواقعي الدال على صدق التوبة، وعلى كونها توبة نصوحًا، وهو ما نفهمه من قوله تعالى فيها: (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتابًا) أي: يتوب إلى الله متابًا صحيحًا صادقًا، وهو المتاب الذي يقبله الله فيتوب به على عبده.

28- وفي شأن المؤمنين الثلاثة الذين تخلفوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يخرجوا معه في غزوة تبوك، يقول الله تعالى في سورة (التوبة 9):

(لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرّحيم)