موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرجوع إلى الحق(نصوص في الإنابة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الرجوع إلى الحق(نصوص في الإنابة)
240 0

الوصف

                                                               الرجوع إلى الحق

                                                               نصوص في الإنابة
                           الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 7- الرجوع إلى الحق >>

* نصوص في الإنابة:

5- ويقول الله تعالى في سورة (ق 50):

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33)) .

فوعد الله الأوابين الذين يخشون الرحمن بالغيب ويأتون إليه بقلب منيب بأن لهم الجنة، إذ تقرب لهم تكريمًا، وجزاء بما كانوا يعملون.

وهذا الوعد لكل أواب حفيظ، أما الأواب فهو كما عرفنا الرجاع إلى الله، وأما الحفيظ، فيمكن أن يكون المراد منه أحد وجوه ثلاثة أوجهها أولها:

الوجه الأول:
أنه حفيظ لإيمانه وعهده لربه.

الوجه الثاني:
أنه حفيظ لتوبته من النقض والتغيير.

الوجه الثالث:
أنه حفيظ لأوامر الله ونواهيه حريص على طاعة الله فيها.

6- ويقول الله تعالى في سورة (الزمر 39):

(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ (54)).

ففي هذا النص ينادي الله عباده الذين أسرفوا على أنفسهم أن ينيبوا إليه بالطاعة والعمل الصالح، وأن يستغفروه ولا يقنطوا من رحمته، ويطمعهم بأنه يغفر الذنوب جميعًا.

فأبواب الرجاء مفتوحة للذين أسرفوا على أنفسهم بموجب قوله تعالى: (لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) .

ولكن ذلك في حكمة الله لا يكون إلا إذا كان من المسرفين على أنفسهم رجعةٌ إلى ربهم، وإنابةٌ إليه، وإسلامٌ له، أما من دون ذلك فالعذاب هو الجزاء المقرر، الذي لا يجدون من ينصرهم وينقذهم منه.

ومن لطائف هذا النص أن الله تبارك وتعالى ينادي فيه عباده الذين أسرفوا على أنفسهم بحرف نداء البعيد (يا) إشارة إلى أنهم بإسرافهم على أنفسهم قد ابتعدوا عن الله، فهو يناديهم ليرجعوا إليه، ويقربوا منه بالتوبة والعمل الصالح، ثم ينهاهم عن القنوط من رحمته، ويؤكد لهم أن الله يغفر الذنوب جميعًا.

7- ويوصي الله الإنسان بأن يتبع سبيل من أناب إليه، فيقول تعالى في سورة (لقمان 31):

(وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ .... (15)) .

أي: واتبع سبيل المؤمنين؛ لأنهم هم الذين أنابوا إليه، أي: رجعوا إليه بالإيمان والعمل الصالح والتوبة من الذنوب كلما سقطوا فيها.

8- ويقول الله تعالى في سورة (غافر 40):

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)) .

فحصر الله في هذا النص التذكر بمن ينيب، فقال تعالى: (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ) وذلك لأن الآيات الكونية المنبثة في هذا الكون الكبير، والنعم الكثيرة العظيمة التي يفيضها الله علينا، إنما هي مذكرة بما يجب على الإنسان تجاه ربه من طاعة وشكر، ومراقبة وخشية، ولكنه لا يتذكر هذا التذكر إلا من يرجع بقلبه إلى ربه وينيب إليه، أما من يظل معرضًا متماديًّا في بعده عن الله، فإن بينه وبين هذا التذكر حجابًا أو حجبًا، إنه لا يخطر في باله ولا يملأ قلبه إلا ما يرضي أهواءه وشهواته ومطامع نفسه الدنيوية العاجلة، فهو عن الذكرى محجوب.

9- ويقول الله تعالى في سورة (الشورى 42):

(اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13)) .

فالاجتباء وهو الاصطفاء يختص الله به من يشاء بحكمته، وهذه المرتبة تكون للمصطفين الأخيار (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ) ، ومن دونها تأتي مرتبة من يهديه الله إليه، أي: يقضي له بالهداية، ويوفقه إلى الارتقاء في معارجها، وهذه المرتبة يمنحها الله من ينيب إليه، أي: يرجع إليه بالإيمان والتوبة من الذنوب.

10- ويقول الله تعالى في سورة (سبأ 34):

(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ (9)) .

ففي هذه الآية بيان أن الآيات الكونية إنما ينتفع بدلالاتها من ينيب إلى ربه.

11- ويقول الله تعالى في سورة (ق 50):

(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ (8)) .

فالعبد المنيب إلى ربه، الراغب بالتعرف على الحقيقة ليؤمن بها، هو الذي يجد في هذه الآيات الكونية تبصرة وذكرى.

12- لكن من لم ترجعه إلى الله ظواهر الآيات ولا فيوض النعمة ولا خلجات الضمير، فإن مس الضر سيجعله ينيب إلى ربه ليكشف عنه ذلك، قال الله تبارك وتعالى في سورة (الزمر 39):

(وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ للهِ أَنْدَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)) .

لكن هذا الرجوع إلى الله عند مس الضر هو من صفات الإنسان مهما بلغ به الكفر والعناد، إنه في هذه الحالة ينيب إلى ربه، فيدعوه ويلتجئ إليه، حتى إذا كشف الله عنه الضر عاد إلى كفره وعناده وشركه بربه.

إن من لا يكون في قلبه إنابة إلى الله في حالة الرخاء فإن إنابته إليه في حالة الشدة لا تنفعه يوم القيامة؛ لأنها إنابة ضرورة ملجئة، لا إنابة اختيار حر. لذلك فإن الله تبارك وتعالى يمتحن عباده في الدنيا بالشدة والرخاء، فمن رجع إلى الله في الشدة، ثم كان مثل ذلك حينما يكشف الله عنه الضر فهو الذي يوفقه الله ويهديه، ومن كان رجوعه إلى الله في أحوال الشدة فقط، ثم لا يكون مثل ذلك إذا كشف الله عنه ما به من ضر، فإنه عبد جحود كفور، يمتعه الله في الدنيا متاعًا قليلًا بما يفتح له من نعم، ثم يبعده عن رحمته ويجعله من أصحاب النار.

وحكمة الله في الامتحان بالسراء بعد الامتحان بالضراء لاختبار الصادقين في الإنابة إلى الله، قد دلت عليها عدة نصوص، منها قول الله تعالى في سورة (الأعراف 7):

(وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (95)) .

ففي قوله تعالى: (ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) إشعار بأن الامتحان بالنعم بعد الامتحان بالمصائب هو الذي يكشف حقيقة الرجعة إلى الله، هل هي رجعة المضطر أم هي رجعة الطائع المختار الذي ذكرته بالله المصيبة.

وقوله تعالى: (حَتَّى عَفَوْا) أي: حتى كثروا وكثرت خيراتهم ونعمهم، وأغراهم ما وصلوا إليه بنسيان الله، ونسيان سلطانه في كونه، لذلك فإنه يرجعون أمر تقلب الأحوال إلى أنها ظواهر طبيعية، أو مصادفات كونية، فيقولون: قد مس آباءنا من قبل الضراء والسراء، فما أصابنا منها إنما هو ظواهر طبيعية مماثلة لما مس آباءنا من قبل منها، ويعودون إلى كفرهم، فيأخذهم الله بالعذاب بغتة وهم لا يشعرون.

13- ويقول الله تعالى في سورة (الروم 30):

(وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)) .

ففي هذا النص يذكر الله تبارك وتعالى الذين ينيبون إليه في حالة مس الضر، فإذا كشف الله عنهم رجعوا إلى ما كانوا عليه من شرك وكفر بنعم الله عليهم، ويشير إلى فريق آخر هو فريق المؤمنين الذين ينيبون إلى ربهم في حالة مس الضر، ثم يستمرون على إنابتهم إلى ربهم إذا كشف الله عنهم الضر، فيتعرفون إلى الله في الرخاء وينيبون إليه، كما تعرفوا إليه وأنابوا إليه في الشدة دل على هذا قوله تعالى: (إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) أي: وفريق آخر ليسوا كذلك.

فالإنابة إلى الله في حالة الضر يشترك فيها المؤمنون والكافرون، أما الإنابة إلى الله في الضراء والسراء فهي إنابة خاصة بالمؤمنين. على أن الإنابة الخاصة بالمؤمنين ذات درجات بعضها فوق بعض، ودرجاتها تتناسب مع مقادير الطاعة والاستقامة، وعلى مقدار نسبة الرجوع إلى الله، فالإنابة الدنيا تتمثل باجتناب عبادة الطاغوت وبالإيمان بالله، ويأتي فوقها إنابة الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، واجتهدوا في الأعمال الصالحات، ويأتي في الدرجة العليا إنابة الأنبياء والمرسلين، فإن نسبة رجوعهم إلى الله ودنوهم منه أرقى النسبة وأعلاها.

14- ويقول الله تعالى في سورة (الزمر 39):

(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)) .

فهؤلاء بإنابتهم اجتنبوا عبادة الطاغوت وآمنوا بالله، فكانت لهم البشرى بدخول الجنة، وهذا النوع من الإنابة إلى الله الذي يقتصر على الإيمان بالله واجتناب عبادة الطاغوت هو من أدنى درجات الإنابة إلى الله.