موسوعةالأخلاق الإسلامية-الأمانة(نصوص إسلامية في الأمانة)
الوصف
الأمانة
نصوص إسلامية في الأمانة
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الأول: حب الحق وإيثاره وظواهره السلوكية وأضداد ذلك >> 6- الأمانة >>
نصوص إسلامية في الأمانة:
لدى تتبع آيات القرآن الكريم، وأقوال الرسول صلوات الله عليه نجد نصوصًا كثيرة تأمر بالأمانة، فمنها ما هو عام، ومنها ما هو خاص في مجال من المجالات التي تدخل فيها الأمانة والخيانة.
وفيما يلي طائفة من هذه النصوص، مع تدبر ما اشتملت عليه من دلالات:
1- يقول الله تعالى في سورة (الأحزاب 33):
(إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً (72) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (73)) .
ونتساءل عن الأمانة التي حملها الإنسان، وأبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها، وخفن من حملها؟
وفي الإجابة على هذا التساؤل نقول: للباحثين في المراد من الأمانة في هذه الآية وجوه من التأويل كثيرة، ولكن يحسن أن نبحث في الإنسان، ونتفكر في استنباط الخصائص التي امتاز بها عن غيره، وقد وضعها الله أمانة بين يديه، ليحفظها، ويؤدي حقوقها، فكان من الإنسان خيانة لها، وعدوان على حقوقها، استجابة لأهوائه وشهواته ووساوس الشياطين، وبذلك صح أن يوصف بأنه ظلوم جهول.
من الواضح أن الإنسان قد امتاز عن المخلوقات الأخرى بخصائص التفكير ومعرفة صفات الأشياء والعقل والإرادة الحرة، وجملة من مطالب النفس وأهوائها وشهواتها، ومقدار ما من القدرة على تنفيذ ما يريد، في مقدار ما من الزمان والمكان، ضمن حدود هذه الحياة الدنيا.
وما امتاز به الإنسان من كل ذلك مما يستطيع التصرف فيه بفعل الخير أو بفعل الشر، هو أمانة وضعها الله تحت يده، بعد أن منحه الاستعداد الفطري لحمل هذه الأمانة.
وإذ وضع الله هذه الخصائص أمانة تحت يده وضع له منهاجًا ليتصرف بالأمانة على وفقه، فإذا تعدى حدود هذا المنهاج فقد خان الأمانة وظلم، وعرض نفسه للمؤاخذة، فكان بذلك جهولًا.
إن ما تحت يد الإنسان مما يستطيع التصرف فيه ودائع وعواري استأمنه عليها مالكها، ألا وهو خالقها وبارئها ومصورها، وممدها بالوجود والبقاء، فعلى الإنسان أن يؤدي حقوق هذه الودائع والعواري، وعليه أن يحفظها، ويستعملها فيما أذن له به من استأمنه عليها.
لقد جعل الله ما في مستطاع الإنسان من القوى الظاهرة والباطنة أمانة تحت يده، فهو يستطيع التصرف بها حسب إرادته، ولكنه مطالب بأن لا يتصرف بها في فعل شيء أو ضر أو معصية أو عدوان، فإذا تصرف بها في فعل شيء من ذلك فقد خان فيما استأمنه الله عليه.
فمن القوى التي تخضع بإذن الله لسلطان إرادة الإنسان فيتصرف بها كما يشاء؛ قوى الجوارح على العمل والتصرف بالأشياء التي تقع في متناولها. منها قوة البصر، وهذه القوة إذا استعملها الإنسان في تتبع عورات الناس على سبيل التجسس المحرم، فقد خان فيما استأمنه الله عليه، أما إذا استعملها في النظر في آلاء الله ومظاهر قدرته وفيما أذن الله له به، فإنه يكون قد حفظ الأمانة، ولكن ما أكثر ما يخون الإنسان في قوة بصره، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ومنها قوة اللسان، فإذا استعمل الإنسان قوة لسانه على النطق في الدعوة إلى الخير، وفي قول الخير والبر والمعروف، وفي كل ما أذن له به مالكه الحقيقي وهو الله تبارك وتعالى، فقد أثبت أنه صاحب أمانة، أما إذا استعمل لسانه في الدعوة إلى الكفر والعصيان، وفي قول الشر والإثم والمنكر ونشر الأكاذيب والأضاليل، فإنه يبرهن على نفسه بأنه خائن فيما استأمنه الله عليه وليس بأمين.
ومنها قوة التفكير وقوة الحيلة في تصريف الأمور، فإذا استعمل الإنسان قوة تفكيره وحيلته فيما فيه عدوان على حق الله صاحب هذه القوة ومالكها الحقيقي، والقادر على انتزاعها متى شاء، أو استعملها فيما فيه ظلم أو عدوان على أحد من خلق الله، أو في أي أمر لا يرضي الله تعالى، فهو خائن فيما استأمنه الله عليه، وجعله وديعة أو عارية بين يديه، أما إذا استعمل هذه القوة في طاعة الله وفيما أذن له به، فإنه يبرهن بذلك على أنه أمين وليس بخائن.
ومن القوى التي تخضع لسلطان إرادة الإنسان فيتصرف بها كما يشاء هذه الأشياء الكثيرة في هذا الكون مما للإنسان قدرة على التصرف فيه، هي أيضًا ودائع أو عواري استأمن الله الناس عليها، وطلب منهم أن يحفظوها، وينتفعوا بها ضمن المنهاج الذي رسمه لهم مالكها الحقيقي، فإذا تصرفوا بها على غير ما أوصى به الله، فقد خانوا ما استأمنهم الله عليه.
والحياة وديعة عند الناس، وأي عدوان عليها بغير إذن مالكها ومودعها خيانة وأية خيانة، والمحافظة عليها ورعايتها وصيانتها مما يؤذيها حتى يستردها مودعها مما توجبه الأمانة، فالمنتحر خائن لما استأمنه الله عليه، وقاتل النفس بغير حق خائن لما استأمنه الله عليه، ولذلك كان قابيل أول خائن في الناس لوديعة الحياة، إذ قتل أخاه هابيل استجابة لنوازع الشهوة والحسد والغضب.
وبهذا المعنى الموسع لمفهوم الأمانة نستطيع أن نقول: إن مسؤولية إرادة الإنسان في الحياة هي مسؤولية أمانة لما استودعها الله أو أعارها من قوى وطاقات أخضعها لتصرفها، سواء أكانت داخلة في جسم الإنسان أو خارجة عنه.
أما عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال وإباؤهن أن يحملنها وإشفاقهن منها: فهو فيما أرى –والله أعلم- عدم وجود الاستعداد والقابلية الفطرية لتحمل الأمانة لدى هذه المخلوقات، فهو كما لو قلت: عرضت الحجر على النار فأبت النار أن تأكله، وعرضت الحطب على النار فاستجابت النار فأكلته، فإن معنى هذا الكلام أن النار غير مستعدة في قانونها الفطري لأن تأكل الحجر وهي مستعدة لأن تأكل الحطب. ونظيره أن تقول: عرضت كتلة الرصاص على الماء فأبى الماء أن يحمل كتلة الرصاص، فإننا نفهم من هذا القول أن الماء ليس فيه استعداد فطري لحمل كتلة الرصاص، فإذا وضعت فيه غاصت حتى تصل إلى القعر وتستقر على اليابسة، ولو كان بدل كتلة الرصاص لوح من الخشب فإن الماء حينئذ لا يأبى حمله؛ لأنه مستعد في تكوينه الفطري لحمله.
وكذلك عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال، فهذه المخلوقات الكبيرة رغم كبرها وضخامتها لا تملك استعدادًا فطريًّا لحمل الأمانة؛ لأنها لا تملك إرادة حرة حتى تختبر أمانتها أو خيانتها، فلذلك تأبى هذا الحمل، نظرًا إلى عدم استعدادها الفطري له، أما الإنسان فإنه ما كان ليأباه؛ لأنه يملك الاستعداد الكامل لحمل الأمانة، ولذلك قال الله تعالى: (فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ) .
أما قوله تعالى عقب ذلك في وصف الإنسان: (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) فليس ذلك من أجل أنه حمل الأمانة، ولكن من أجل أنه خان الأمانة بعد أن حملها، وهذا ما هو مشاهد في سلوكه، إنه لما حمل الأمانة إذ توافر لديه الاستعداد الفطري لحملها، لم يرع حقوقها، بل ظلم فيها، وتعدى حقوق ذوي الحقوق، وفرط فيها، وتهاون بشأنها، وخالف وصايا مالك الودائع والعواري، وعصى أوامره، فأثبت بخياناته أنه ظلوم. ثم إنه تغافل عن المصير السيئ الذي أعده الله للظالمين، فأثبت بتغافله عن العقاب الأليم أنه جهول، فهذا وصف للإنسان بعد خيانته بالظلم والعدوان. ولما كان معظم الناس ما بين كافر بربه، أو عاصٍ مؤمن، صح تعميم هذا الوصف عليه على سبيل التغليب. ويدل على أن هذا المعنى هو المعنى المراد، قول الله تعالى في الآية التالية: (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) .
2- ويقول الله تعالى في سورة (النساء 4):
(إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)) .
في هذه الآية نلاحظ أن الله تعالى يأمر أمرًا جازمًا بتأدية الأمانات كلها إلى أهلها.
وقد عرفنا من تدبر النص السابق، أن كل ما هو تحت سلطة إرادة الإنسان من قوى وطاقات وأشياء يستطيع التصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرف، وكذلك كل ما تحت متناول يده أو واقع تحت سلطته من إنسان أو حيوان أو غير ذلك، هي ودائع أو عواري استأمنه الله عليها، فتأدية حقوقها التي فرضها الله، وعدم العدوان عليها أو ظلمها، أمانة. أما هضم حقوقها أو العدوان عليها والظلم فيها، فهو خيانة.
فقوله تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) يفيد وجوب تأدية جميع أنواع الأمانات التي تقع تحت سلطة كل واحدٍ منا إلى أهلها، أي: إلى أصحابها ومستحقيها. وسميت الودائع والعواري الربانية التي وضعها الله في حوزة الإنسان وتحت سلطته أمانات؛ لأنها لا تؤدي إلى أصحابها ومستحقيها إلا بخلق الأمانة، فخلق الأمانة هو الخلق المسؤول عن تأدية الودائع والعواري إلى أهلها، وعن إعطاء الحقوق إلى مستحقيها. وهذه الأمانات تشمل كما عرفنا جميع الحقوق المتعلقة بذمم الناس، سواء أكانت حقوقًا لله، أو حقوقًا لخلقه، وسواء أكانت حقوقًا اعتقادية أو قولية أو فعلية، ويدخل في ذلك إعطاء الحكم إلى أهله، وتأديته إلى أربابه، بالتولية عن طريق البيعة، أو بإسناد أنواع الحكم والقضاء إلى الأجدر بها، والأكفياء للقيام بها. ثم إن الحكم والسلطان هو أمانة أيضًا. ولذلك رأى طائفة من المفسرين أن المراد بتأدية الأمانات إلى أهلها في هذه الآية إسناد الحكم إلى أهله الأكفياء له، ولكن إبقاء النص على عمومه يجعل هذا مشمولًا به ويدخل فيه أيضًا جميع أنواع الأمانات، كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند الكلا